الهروب السعودي من السلام.. ماذا لو نفذ الصبر الاستراتيجي لصنعاء؟

 

أوصلت القيادة السياسية والعسكرية لصنعاء خلال الاحتفال بالذكرى العاشرة لثورة 21 سبتمبر رسائل نارية للرياض، محذرة النظام السعودي من مغبة المماطلة في تحقيق السلام.

الرسالة الأولى، أطلقها رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط في خطاب له بهذه المناسبة، حذر فيها من مغبة الحسابات الخاطئة، ومراهنة البعض على احتمالات إبقاء حالة اللاسلم واللا حرب، واستمرار التوجهات العدائية ضد الشعب اليمني، وتشديد الحصار عليه وتجويعه وافقاره وعرقلة صرف مرتباته.

وأكد الرئيس المشاط أن صبر شعبنا لن يطول، وسيضطر إلى انتزاع حقوقه بالقوة المشروعة، داعياً العدوان السعودي الإماراتي إلى رفع الحصار ووقف العدوان وتلبية استحقاقات السلام، من دفع مرتبات اليمنيين من ثرواتهم الوطنية، وفتح المطارات والموانئ بشكل كامل، والإفراج عن جميع الأسرى، ودفع التعويضات، وجبر الضرر، والانسحاب الكامل من الجمهورية اليمنية من قبل القوى الأجنبية كافة.

وعلى الرغم من المطالبات المتكررة لصنعاء للعدو السعودي بتنفيذ هذه الاستحقاقات، إلا أنه ظل يماطل ويتهرب على مدى العامين الماضيين، في ظل صبر استراتيجي كبير لليمنيين الذين يعانون الأمرين جراء الحالة القائمة من اللاحرب واللاسلم، والتي يريد الأمريكي والسعودي الاستمرار بها إلى ما لا نهاية.

 للصبر حدود

 

 وكتعزيز لخطاب الرئيس المشاط، أرسل وزير الدفاع والإنتاج الحربي اللواء الركن محمد ناصر العاطفي رسائله الخاصة للنظام السعودي وتحالفه خلال حفل حضره أكثر من 4 آلاف مقاتل يوم أمس الأحد، حيث دعا الوزير العاطفي دول العدوان للبدء بإعداد جدول زمني للانسحاب من الأراضي اليمنية الواقعة تحت سيطرتهم.

وقال اللواء العاطفي: “على الغزاة والمعتدين سرعة البدء بجدولة انسحابهم من أراضي اليمن وجزره، ونحذرهم من تذوق مرارة جهوزيتنا العسكرية”. وحذر المعتدين من تجاوز الخطوط الحمراء، والتدخل في الشأن الداخلي للبلاد، مخاطباً دول العدوان بأن لا يفهموا أن “الصبر الاستراتيجي” ضعف، فذلك خطر عليهم.

وتأتي هاتان الرسالتان من أرفع قيادات عسكرية وسياسية في البلد، لتؤكد للنظام السعودي أن اليمن الذي يمضي بثبات في دعم ومساندة إخوانه المظلومين في قطاع غزة، غير مغمضٍ لعينيه عن تلكؤ ومناورات العدو السعودي والإماراتي، لكنه حين يصبر، فإن ذلك يأتي وفق استراتيجية معينة، هدفها الأساس، إعطاء فرصة للنظام السعودي والإماراتي للنجاة من بأس الضربات الكبيرة التي ستوجه إليهما في حال نفد الصبر، وتجاوز كل الحدود.

وخلال خطابه بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، والذكرى العاشرة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، كان لافتاً تجاهل السيد القائد للنظامين السعودي والإماراتي، وهذا التجاهل ليس ناتجاً عن الانشغال في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، ولكنه الصمت الذي يعقبه الكثير من العقاب، فكما هو معلوم أن السيد القائد، قد خصص أكثر من 5 خطابات سابقة قبل أشهر لتوجيه النصائح والتحذيرات للنظام السعودي حينما كان يتحرك في حرب اقتصادية كبيرة على شعبنا برعاية أمريكية، وهي نصائح وتحذيرات كافية، لا نعتقد أن السيد القائد سيكررها مرة أخرى على مسامعهم.

صحيح أن النظام السعودي تراجع عن حرب البنوك، لكنه لا يزال يمضي في استراتيجية المماطلة والتلكؤ في تنفيذ استحقاقات السلام، ومنها صرف رواتب الموظفين، ودفع التعويضات، والانسحاب من كامل الأراضي اليمنية المحتلة، والإفراج عن الأسرى وغيرها من القضايا الإنسانية.

  حساب مفتوح للأعداء

 

لا يوجد تفسير منطقي للهروب السعودي من استحقاقات السلام، سوى التخوف من الغضب الأمريكي الذي يضع فيتو على ذلك، ويريد من الرياض وأبو ظبي الاندفاع عن المواجهة الأشمل مع صنعاء لا سيما بعد النجاح المتصاعد لقواتنا المسلحة في البحار ومنع السفن من الدخول إلى موانئ الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.

وأمام هذه الازدواجية في التعاطي مع القضايا، توجه صنعاء الإنذار الأخير، حيث يشير حديث وزير الدفاع اللواء العاطفي إلى أن نفاد “الصبر الاستراتيجي” لن يصب في خدمة الأعداء، وهو في ذلك يستعرض الإنجازات الكبيرة التي حققتها اليمن على الصعيد العسكري، وآخرها إنتاج وصناعة صاروخ “فلسطين 2” الفرط صوتي الذي هز عاصمة العدو الصهيوني التي يطلق عليها تسمية “تل أبيب” وهي في الأساس “يافا” المحتلة.

ويؤكد وزير الدفاع أن اليمن “لن يبخل على الأعداء بقوافل الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والمجنحة والطائرات المسيرة”، وهي رسالة موجهة لأكثر من طرف، وأكثر من عدو، وبالتأكيد فإن النظام السعودي يفهمها جيداً، ويعي مضامينها، وهذا يفترض أن يدفعه أكثر نحو تنفيذ ما عليه من استحقاقات، والتكفير عن ذنبه في العدوان على اليمن، قبل أن تصل الأمور إلى أفق مسدود.

المراوغات السعودية

 

منذ العامين الماضيين، كان واضحاً أن النظام السعودي قد وصل إلى قناعة بعدم جدوائية الحرب العسكرية مع اليمن، لذا رأينا التزاماً في الجبهات، وعدم تنفيذ الطلعات الجوية، لكنه بعد ذلك سلك مساراً مختلفاً، حيث قدم نفسه كوسيط، وأن ما اقترفه من جرائم وحشية في اليمن لا تعنيه، أو أنه يسعى إلى نسيانها وتجاهلها، وهو خداع سياسي لا يمكن أن ينطلي على الشعب اليمني، الذي يرى النظام السعودي كعدو، وجرائمه لا تزال عالقة في أذهان كل يمني، وآثارها شاهدة في الميدان.

ولهذا، فإن الهروب السعودي من استحقاقات السلام، لن يستمر طويلاً، لأن الصبر اليمني وصل إلى الذروة، والعدوان الصهيوني على قطاع غزة، وانشغال اليمنيين بهذه المعركة لا يعني نسيان المعركة الأهم مع السعوديين والإماراتيين، وتجاهل احتلالهم للأراضي اليمنية، ومواصلة العبث بمقدرات البلد، واحتواء المرتزقة والانفصاليين، وتسخير كل مقدراتهم لضرب اليمن وقيادته الثورية والسياسية، كل هذا لن يطول أبداً، ولا خيار أمام الأعداء سوى تنفيذ ما تم الالتزام به، وهي استحقاقات مشروعة لا يمكن التفريط بها إطلاقاً، وعلى الباغي تدور الدوائر.