إحياء يوم القدس العالمي.. اليمانيون في الصدارة
لكن هذا العام جاء بحلة جديدة وبصورة غير مسبوقة تمثلت في المواجهة المباشرة مع ثلاثي الشر والإجرام “أمريكا وبريطانيا وإسرائيل” دعماً وإسناداً لفلسطين، في دلالة جلية تعكس مصداقية التضامن والولاء لهذا الشعب وتجسد حكمة القيادة الثورية التي تترجم الأقوال إلى أفعال ملموسة على الواقع في ميدان الصراع.
ويعتبر يوم القدس العالمي يوماً ليقظة جميع الشعوب الإسلامية حيث أطلقه قائد الثورة الإسلامية الإيرانية الإمام روح الله الخميني من أجل أن تبقى قضية فلسطين حية في نفوس المسلمين وتذكيرهم بما تتعرض له المقدسات من احتلال وانتهاكات للمسلمين، كما يعده الأحرار يوم النصرة والانتصار للشعب الفلسطيني وللتعبئة العامة وتجديد العهد والعمل وفق ما تفتضيه القضية؛ وذلك لما كان عليه الناس من سبات عميق وتناسي لهذه القضية نتيجة للمشاكل والحروب التي افتعلها الأعداء لصرف المسلمين عن مظلومية فلسطين.
ويأتي هذا اليوم في هذا العام والشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع الجرائم حتى وصفها السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي بجريمة القرن، بقصف مكثف بالصواريخ والقنابل للمنازل والمستشفيات والطرقات بشكل رهيب، وقتل الآلاف بشكل يومي من المدنيين والنساء والأطفال، وهي إبادة جماعية وإجرام وعدوان وحشي صهيوني غربي لتصفية القضية الفلسطينية وفي ظل خذلان عربي متواطئ ولا موقف باستثناء القليل.
لذا فإن هناك ثمة تساؤل حول ما يحدث في فلسطين اليوم : أليست جرائم الإبادة بحق أبناء غزة كفيلة بإحياء ضمائر المسلمين؟ أم أنها أصبحت مشاهد وقصصاً روتينية عابرة على مسامع وأنظار الناس لا تؤثر فيهم ولا تحرك المشاعر ولا تدفعهم للتحرك والمناصرة؟
القضية الأولى والمركزية
ولكن بالعودة قليلاً إلى مواقف الشعب اليمني طيلة الأعوام الماضية، سيلحظ المتابع أن القضية الفلسطينية حاضرة وبقوة في قلوب اليمنيين ويعتبرونها قضيتهم المركزية والأولى وهذا ليس بغريب على بلد الإيمان والحكمة وموطن الأنصار ورجال الدين والإسلام ، أضف إلى ذلك فإن البدايات الأولى للمشروع القرآني الذي انطلق به الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في العام 2002م كانت بمحاضرة قيمة في ملزمة عنوانها “يوم القدس العالمي”، في دلالة واضحة بما يحمله المشروع القرآني من أهمية وما يعطيه من اهتمام وأولوية للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية الإسلام والمسلمين من الدرجة الأولى.
وبحسب مراقبين ومحللين سياسيين فإن الموقف اليمني المبكر والمتبني لهذه القضية ومناهضتهم للمشروع الصهيوني ورفضهم مشروع الهيمنة الاستعمارية والتماهي مع مشروعهم التآمري في المنطقة هو من أهم أسباب العدوان الأمريكي على اليمن بأدواته القذرة المتمثلة في النظام السعودي والإماراتي، اللذان ينفذان مشاريع الهيمنة الأمريكية التخريبية وتحقيق المصالح الغربية الهادفة إلى تفكيك الشعوب وتدمير جيوشها العسكرية وكل ماله صله بتعزيز القوة والإرادة.
ويجد المتأمل بأن جل كلمات وخطابات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي لا تخلو من ذكر قضية الأمة الأساسية “فلسطين” سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وكان ولا يزال يحث أبناء الأمة العربية والإسلامية بخطورة صراع المرحلة القائمة، داعياً لتوحيد الصفوف وبذل الجهود لمواجهة العدو المتربص ومجابهة المشروع التخريبي والتدميري للمنطقة، ويناشد الأحرار للعودة إلى كتاب الله تعالى الذي منه يتحقق النصر والغلبة على الأعداء.
فمظلومية الشعب اليمني في ظل العدوان الأمريكي السعودي على اليمن والمتواصل للعام العاشر على التوالي شبيهة بمظلومية فلسطين، وهذا الشعب ومن بين الركام كان ولا يزال الصوت اليماني الأكثر وضوحاً في المنطقة لخوض غمار المواجهة جنباً إلى جنب مع فصائل المقاومة في فلسطين؛ وبهذا فإن هذا العدوان لم يستطع أن يثني الشعب اليمني عن مناصرة قضاياه فقد خرج مسانداً للقضية الفلسطينية وداعماً لفصائل المقاومة الفلسطينية في موقف قدم من خلاله للعالم درساً قوياً ونموذجاً استثنائياً غير مسبوق وليس له مثيل على الإطلاق.
وقد تنوع الدعم والإسناد للقضية الفلسطينية لدى اليمنيين في الفترات السابقة بصور متعددة ومتنوعة حتى في ظروف قاسية، منها ما هو بالمظاهرات الحاشدة ومنها ما كان بالتبرعات؛ كما أن الأسلحة المتطورة التي صنعها اليمنيون سميت بالقدس، والعروض العسكرية الضخمة التي نظمت من قبل سميت ب “وعد الآخرة” و”قادمون يا أقصى”، في رسائل لها أكثر من دلالة وأكثر من معنى حينها.
وهو ما كان يؤكده السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي منذ أعوام بقوله ” برغم مؤامرات الأعداء ورغم ما تواجهه يمن الايمان من عدوان عالمي صهيوني غاشم وتكالبت عليه أكثر من 20 دولة عربية وغربية؛ إلا اننا حاضرون في أي وقت للدفاع عن مقدساتنا الإسلامية بكل قوة وعزم وإرادة صلبة؛ وماضون لتحرير بيت المقدس أولى القبلتين ومسرى الرسول من دنس الصهاينة.
يوم تعبئة عامة للمسلمين
وفيما يعتبر السيد القائد يوم القدس العالمي يوماً هاماً من أجل إبقاء مشاعر الجهاد ورفض إسرائيل حية في نفوس المسلمين ومن أجل يقظة الشعوب الإسلامية، موضحاً أن هذا اليوم يساهم في بحث الشعوب عن الرؤية الصحيحة للوصول إلى النتيجة المحتومة في الوعد الإلهي بتحقيق النصر الحاسم.
وبالرجوع إلى خطابه للعام الماضي 1444هـ يؤكد السيد عبد الملك أن العمل على دحر اليهود من أرض فلسطين هو جهاد مقدس، وأن العداء لهم ومقاطعتهم مسؤولية إيمانية وإنسانية، وأن الشعب اليمني وانطلاقا من هويته الإيمانية متسمك بموقفه وحاضر في الساحات وكل المناسبات للتعبير عن موقفه، وأنه يسعى للإسهام بكل ما يمكن في سبيل أداء واجبه الإيماني في الجهاد والمشاركة مع أحرار الأمة في المعركة الحاسمة.
وكان يشير كذلك إلى أن خوف الصهاينة ظهر جلياً من نهضة الشعب اليمني وتحركه على أساس المبادئ القرآنية وعمله الدؤوب لبناء قدرته العسكرية، لافتاً إلى أن تنامي الروح الجهادية للشعب الفلسطيني وثبات شعوب أمتنا على موقفها رغم موجة التطبيع أظهر أن العد التنازلي للكيان الصهيوني بدأ، معتبراً تنامي قدرات محور الجهاد والمقاومة والشرخ الكبير الذي يهز كيان الصهاينة من الداخل يظهر بدء خطوات زوال الكيان الصهيوني، مؤكداً أن العدو الإسرائيلي يتجه نحو الهلاك والهاوية والهزيمة الحتمية.
أما خطابه في العام 1443 هـ بذات المناسبة؛ فيقول فيه أن الكيان الصهيوني وخلفه اللوبي الصهيوني في العالم هما عدوان للإسلام والمسلمين ويجب اتخاذهما عدوين، لافتاً إلى أن ولاء المنافقين للعدو الإسرائيلي لن يجديهم شيئاً، وأنه لا يقابلهم إلا بتهم التآمر، ويؤكد بأن “المعركة مع العدو الإسرائيلي معركة مفتوحة في كل مجالات الحياة ويجب مواجهته”.
وقد تحققت تلك الوعود التي بدأها هذا القائد بكل حماس وعنفوان منقطع النظير وذلك على ميدان الصراع والمواجهة مع أعداء الأمة وقد فرض حصاره الاقتصادي على كيان العدو الصهيوني واستهدف السفن الأمريكية والبريطانية الداعمة للكيان الغاصب ؛ كما أوصل صواريخه مع الطيران المسير إلى أوكار العدو مستهدفاً مواقع حساسة ومهمة داخل أراضي فلسطين المحتلة ؛ وسط تأكيد باستمرار العمليات العسكرية وبفاعلية أكبر وبصورة تصاعدية في ظل استمرار العدو الصهيوني في قتل وحصار أبناء قطاع غزة التي تشهد إبادة جماعية منذ عدة أشهر وفي ظل صمت عربي وإسلامي مخيب ومريب.
وبهذا ستبقى القضية الفلسطينية حاضرة عبر التاريخ في قلوب ووجدان كل حر ينتمي للأمة العربية والإسلامية، وتشير كافة المؤشرات والحتميات بزوال كيان العدو الصهيوني الذي زرع في خصر الأمة وهو وعد ألهي ونصر محتوم لعباده ولا شك فيه.