واشنطن.. ضعف يسبق السقوط
تقرير – يحيى الشامي
تمخّض السعيُ الأمريكي لتأسيس تحالف حربي دولي عن دورية بحرية وفي أحسن الأوصاف عن عملية متعدِّدةِ الجنسياتِ باسم “حارس الرخاء” رخاء يعكس شدّة ما تمرُّ به واشنطن.
يشيرُ المزاجُ الدولي المتثاقل عن النفير مع الأمريكي إلى ضعفٍ غيرِ مسبوق يعتري النفوذ الأمريكي والذي يعيش حالياً في مرحلة تزحزحٍ عن مركز قطبيته الأحادية الحاكمة والمهيمنة في العالم، أحدثُ جولةٍ لوزير الحرب الأمريكي كشفت عن ذلك بجلاء إذ طاف عدة دول مستجدياً مشاركتها في التحالف العسكري الرامي لحماية الملاحة الإسرائيلية من العمليات اليمنية في البحرين العربي والأحمر دون جدوى، بدأ الوزير الأمريكي الجولة بسقف عال ومطالب طموحة تهدف لتأسيس تحالف بحري تتلطى خلفه أمريكا كعادته عندما يكون الأمر متعلّقاً بالدفاع عن مصالحها أو مصالح الكيان الصهيوني لكنه هذه المرة يرجع خائباً وبنتائج عكسية مثّلت ما يمكن اعتباره استبيان لموقع واشنطن في خارطة الجيوستراتيجية الراهنة، إذ يدعو الأمريكي اليومَ فلا يُجاب وهو الذي اعتاد أن يأمر فيُطاع ويَنهى فتنصاعُ له الأنظمة وترتجف منه الشعوب.
في سياق نقدها لخطوة واشنطن هذه تذهب الصحافة الغربية الى حد اعتبار ما أقدمت عليه إدارة بايدن كشفًا لنقاط ضعف القوة الأمريكية في أهم ركائزها البحرية، تقول صحيفة “ردستيت” الامريكية: هذا التحالف غير ضروري فهو يقلل من قدرة البحرية الأمريكية على الرد على تحركات “الحوثيين”، من خلال تكبيل البحرية إلى تحالف متعدد الجنسيات ضعيف جدًا، ويضيف طبقات من التعقيد.
وتضيف الصحيفة: قد يستغرق الأمر أسابيع أو أشهر قبل الانتهاء من وضع هيكل القيادة والاتفاق على قواعد الاشتباك التي وافقت عليها الدول المشاركة بالإجماع. والغرض الوحيد من هذا التحالف هو جعل أي رد ضد “الحوثيين” “دوليًا” وليس ردًا أمريكيًا.
في تصريحِهِ يسردُ أوستن وزيرُ الحرب الأمريكي أسماء تسع دول هي قوام القوة البحرية، التي ظلّت الولاياتُ المتحدة تستجدي تأسيسه منذ أول عملية نفذتها القوات اليمنية في البحر الأحمر ضد حركة السفن الإسرائيلية، وعقب مؤتمره الصحفي في جولته الى المنطقة والتي اختتمها بزيارة قيادة القوات البحرية المشتركة في البحرين، تساءلت الدوائر المهتمة في الأوساط الإعلامية الغربية (هل هذا كل ما تقدر أمريكا على جمعِهِ؟ وكيف نابت كيانات صغيرة “البحرين” و “سيشل” عن دول وازنة كـ”ألمانيا” و “أستراليا”!! ثم يُغرِقُ المحللونَ الصحفَ الغربية والمواقع في الحديث عن انتكاسةٍ غيرِ مسبوقةٍ تُصيبُ الإدارة الأمريكية وتطاول سمعتَها وسطوة قوتها البحرية المتفوّقة عالمياً.
واشنطن تسرق مواقف الدول:
“صحونا على بيان أمريكي وردَ فيه اسمُ بلادنا دون التنسيق معنا” يقول مسؤولون إسبان، وتصف صحفهمُ الحادثة بالفضيحة وتعدها تجاوز لقواعد العلاقة الدولية، فيما تتهم المعارضةُ الاسبانية رئيس وزراء بالقفز على القانون الذي يشترط موافقة البرلمان والبرلمان الأوروبي وحلف الأطلسي.
يقول مراقبون إن الأمرَ ينسحبُ على دولٍ أوروبيةٍ أخرى سيلزمُها مواقفةَ الناتو واستئذانَ برلماناتِها، كإيطاليا وهولندا .
أُستراليا التي وجَّهَت لها واشنطن الدعوة أكثرَ من مرّة لإرسال سفنِها، تتململ عن الاستجابة وثمّةَ من يجرؤ على القول لواشنطن لسنا في وارد المشاركة، ليس من أوساط المعارضة وحسب بل ومن النخبة الحاكمة.
وقالت هولندا إنها ستكتفي بإرسال عدد من الضباط من قوتها البحرية الى القاعدة الأمريكية في البحرين التي تستضيف مقر قيادة القوات البحرية المشتركة.
وقالت وزارة الدفاع الفرنسية إنها تدعم الجهود الرامية إلى تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر والمنطقة المحيطة به، وإنها تعمل بالفعل في المنطقة. لكنها أضافت أن سفنها ستبقى تحت القيادة الفرنسية ولم تذكر ما إذا كانت ستنشر قوات بحرية أخرى، علماً أن لفرنسا قاعدة بحرية في الإمارات و1500 جندي في جيبوتي. وفرقاطتها لانجدوك الموجودة حاليا في البحر الأحمر.
أبعد من ذلك تستلهم دولٌ موقفاً تحررياً من الهيمنة الأمريكية على وقع العمليات اليمنية حيث ذهبت ماليزيا، الى إغلاق الموانئ الماليزية أمام السفن التي تديرها شركة الشحن الإسرائيلية الشهيرة “زيم”.
حتى وإن:
وفيما تتواصلُ العملياتُ اليمنيةُ أمام حركةِ الملاحة الإسرائيلية بوتيرة يومية تحتاج أمريكا الى مدة قد تصل أسابيع لتجميع وصياغةِ القوة وتوزيع مهامها وأدوارها بين الدول المُشاركة في الحلف المزعوم، الذي يبدو أنه يتهاوى قبل أن يكتمل ميلاده، لكن وإن افترضنا جدلاً أن واشنطن نجحت في تشكيل القوة الجديدة، يبقى المحك في مدى نجاحها في حماية الملاحة الإسرائيلية، وهنا تعود الكلمة الفصل لصنعاء التي تقول محذّرةً إن زيادة السفن العسكرية في المنطقة قد يؤدي الى انسداد ممراتها.