السعودية تلجأ للمسكنات لوقف النزيف الإقتصادي
خلال الأسبوع الأخير من إبريل الفائت وصلت مبيعات الخام السعودي إلى نقطة الصفر عمليا، الناقلات النفطية السعودية تائهة في عرض البحر بما فيها الناقلة السعودية الأضخم عالميا “سوبر تانك”، دون وجهة نهائية، أكثر من 40 مليون برميل من النفط السعودي مخزنة في البحر منذ مارس الماضي لا تجد مشترين ، عملاء شركة أرامكو السعودية بما فيهم الولايات المتحدة الامريكية ألغت طلباتها من الخام السعودي بسبب امتلاء مخزوناتهم وضألة الاستهلاك العالمي نتيجة تأثيرات فيروس كورونا .
سوء تقدير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، للموقف الروسي وأمتداد تأثيرات جائحة كورونا عالميا عند اتخاذ قرار تخفيض سعر خام أرامكو وروفع مستويات الإنتاج مطلع مارس الفائت والذي يعتقد أنه – القرار – جاء بإيعاز أمريكي عقب انتهاء اتفاق أوبك بلس دون اتفاق جديد ، وإصرار روسيا على خفض متساو للحصص وعدم تقديم خدمة مجانية لصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية ، دفع بالاقتصادين الأمريكي والسعودي إلى حافة الركود بأسرع مما توقع الخبراء الاقتصاديون ، وعانى منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة نهاية أبريل الفائت من ما يمكن تسميته بالمذبحة واضطروا لدفع الأموال للزبائن كي يشتروا نفطهم ، كما عانى الاقتصاد الأمريكي من انكماش فاق 4,7 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي 2020م .
تقول الأرقام الإحصائية: إن 50% من عمليات صناعة النفط الصخري الأمريكي توقفت، وبلغ الحال بملاك أبار النفط الصخري الى الدفع للمشترين لمنع تراكم المخزون النفطي لديهم، حيث وصل سعر البرميل مع موعد الاغلاق لعقود شهر مايو الحالي الى ما دون – 37 دولار امريكي، وتوقعات باستمرار انخفاض اسعار النفط عالميا في ظل توقع عالمي بموجات تفش جديدة للفيروس التاجي كورونا.
وسعوديا نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مسؤول بارز في شركة أرامكو أن السعودية أغلقت بعض خطوط انتاج النفط في حقل الغوار العملاق وحقول أخرى لعدم وجود مشترين دوليين، لكن الصحيفة ونقلا عن المسئول ذاته اشارت الى ان الوقت ربما اصبح متأخرا على خطوات كهذه، فخام برنت يقبع حاليا دون ال30 دولار وهو تدن قياسي وغير مسبوق.
وتشير البيانات الاقتصادية إلى إن الاقتصادات المعتمدة على النفط تترنح في الوقت الحالي ويتوقع إن يفقد نحو 220 ألف عامل نفطي وظائفهم في جميع أنحاء العالم، كما يمكن أن يعاني نحو 40 % من منتجي النفط عسرا ماليا في غضون عام مع توقعات بانخفاض عدد الحفارات النفطية إلى النصف تقريبا.
النهاية لاتبدو قريبة
لاموعد محدد أمام البشر لاستئناف الانشطة الاقتصادية بشكل اعتيادي، يتوقع العالم موجات متتابعة للفيروس التاجي قبل أن يتوصل العالم إلى لقاح في موعد أقله 2022م، وهذا الأمر كابوس قاتل للاقتصاد السعودي المعتمد على ايرادات مبيعات النفط بنسبة تفوق ال90 بالمائة ، الاقتصاد السعودي يواجه ازمة النفط وهو ليس في افضل حالاته .
وزير المالية السعودي محمد الجدعان أفاد بأن التوقعات تشير الى استمرار انخفاض وتيرة الأنشطة الاقتصادية هذا العام والعام المقبل وعزم الرياض استدانة مبلغ 220 مليار ريال ويفوق ماكان مخططا له الضعف تقريبا ، رغم كون المبلغ لايسد العجز المتوقع للميزانية.
وكشف وزير المالية السعودي عن سحب من الاحتياطي الاستراتيجي للملكة بلغ مائة ترليون ريال سعودي خلال السنوات الماضية، يعتقد ان جلها وجه لتمويل فاتورة الحرب على اليمن ومشاريع ولي العهد كمشروع نيوم .
خطة التقشف القاسية التي باشرتها الحكومة السعودية تشمل ايقاف مشاريع حكومية وابطاء اخرى، والسعي للحصول على قرض دولي من صندوق النقد، وتخفيض رواتب القطاع الخاص بنسبة 40 % في المائة ، ومن المتوقع ان تشكل هذه الإجراءات الدفعة الأولى من إجراءات التقشف القاسية التي ستضر بمستوى المعيشة
وذكر موقع “المونيتور” الأمريكي في تقريره أن وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، قدم الرسالة الأكثر حكمة ومباشرة للمواطنين بشأن مستقبلهم الاقتصادي، وهي رسالة تبرز أن الواقع والمستقبل سيكون مختلفاً في السعودية.
ويشيرالموقع الى أن مستقبل السعودية يبدو مختلفا، ومتوسط الدخل سيكون أقل، والمؤكد أن الشباب السعودي لن يعيش بالرفاهية التي عاشها آباؤهم.
مطلع الاسبوع الفائت شرعت الشركات السعودية بتخفيض 40% من رواتب العاملين فيها وصولا الى انهاء العقود لوقف نزيف الخسائر الاقتصادية مع مايحمله ذلك من مخاطر اجتماعية ورفع مستوى البطالة ، عقب صدور قرار حكومي يسمح لها بذلك تحت مسمى القوى القاهرة في اشارة لفيروس كورونا.
وبنظر خبراء فان الاتجاه نحو الاقتراض دوليا او محليا واصدار سندات مالية يحمل مخاطر كبيرة بالنسبة الى الاقتصاد السعودي المعتمد على النفط واستمرار العدوان على اليمن، وفي حين يقبع نحو 4 مليارات نسمة من سكان العالم تحت الاغلاق – نحو ثلثي سكان الارض- ولايتوقع الخروج قبل عامين من هذا الوضع الشامل ، يضاف الى كل ذلك استمرار الادارة الامريكية بابتزاز مزيد من الاموال السعودية مقابل الاستمرار بحماية الاسرة المالكة السعودية ، ولايبدوا ان ترامب مستعد للتوقف عن هذه الهواية .
الفاتورة المكلفة
يشير الخبراء الاقتصاديون الى ان اقفال فاتورة الحرب على اليمن يعد الخيار الاكثر نجاعة من بين الاجراءات المعلنة لانقاذ الاقتصاد السعودي ، ففاتورة الحرب تستنزف الاقتصاد السعودي يوميا بحسب دراسة اجرتها جامعة هارفارد الأمريكية الى 200 مليون دولار في اليوم الواحد ، وقالت مجلة فوربس بعد ستة اشهر من العدوان على اليمن ان فاتورة الحرب على اليمن كلفت المملكة خلال الستة الاشهر الاولى( مارس – سبتمبر 2015م) 725 مليار دولار ، وتلفت العديد من كبريات الصحف العالمية الى انفاق السعودية على الحرب في اليمن لايقتصر على شراء الاسلحة او المعدات بل يتعدى ذلك الى انفاق اموال طائلة لشراء السكوت الدولي واستمرار الدعم على غرار دفع 500 مليار دولار للرئيس الامريكي ترامب لضمان الحصول على دعم ادارته للنظام السعودي ، ودفع مليار دولار للدول الاعضاء في مجلس حقوق الانسان لعدم ادانة السعودية على جرائمها في اليمن ، ولايزال الكثير من الصفقات المليارية المتصلة بالعدوان على الجار الفقير لم يظهر على السطح بعد.
السعودية قفزت خلال العام 2019م الى المرتبة الخامسة عمليا بعد روسيا في قائمة الدول الأكثر انفاقا في مجال التسلح متفوقة بذلك على كل من فرنسا وبريطانيا واليابان والمانيا وكوريا الجنوبية.
وتصدرت المملكة السعودية معدلات الإنفاق على التسليح في دول المنطقة، إذ خصصت 10.1 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للإنفاق العسكري خلال العام 2019، وهو ما يقدر بحوالي 78.4 مليار دولار.
ووفقا لمعهد استكهولم للسلام فقد شهد الانفاق العسكري عالميا ارتفاعا بنسبة 3.5% مقارنة بالعام 2018 م، ووصلت قيمة الانفاق العالمي على التسليح إلى 1917 مليار دولار.
تحذيرات متعددة
العديد من المعارضين السعوديين في الخارج اشاروا الى ان الاقتصاد السعودي لم يستطع الصمود لشهرين عقب انهيار اسعار النفط وجائحة كورونا، وذلك كان متوقعا نتيجة استنزاف الاحتياطيات المالية التي كان يمكن التعويل عليها لتمد الاقتصاد السعودي بشرايين البقاء، في حرب فاشلة وعبثية على اليمن ، و مشاريع غير واقعية التي اطلقها ولي العهد السعودي وان بصورة أقل بكثير، واتاوات حماية للعائلة المالكة قدمت للرئيس الامريكي ترامب.
ويتفق هؤلاء مع خبراء اقتصاديين في أن مضي القيادة السعودية في اجراءات تقشفية تعتمد جيوب المواطنين في نهاية المطاف لجهة القروض او خفض الرواتب ، ولاتشمل ابتداء اقفال فاتورة الحرب العالية ووقف المشاريع الوهمية ، كمن يتعاطى المسكنات التي سيتوقف اثرها عند مرحلة قد لا يمكن النجاة بعدها .
ويرون بأن المواطن السعودي والاقتصاد السعودي غير قادر على المواجهة الثلاثية تبعات وتأثيرات تكاليف الحرب على اليمن وتوقف الاعمال جراء جائحة كورونا وانهيار الصناعة النفطية ، والأولى بيد النظام السعودي وقفها متى أراد.
ويحذر هؤلاء كذلك من احتمالية تلقي الاقتصاد السعودي ضربة عسكرية مؤلمة تطال ما تبقى من مفاصله الحيوية النشطة، على غرار ضربة بقيق وخريص – سبتمبر 2015م، وفي حال وقوعها ستكون اثارها مدمرة كارثية تفوق بمرات سابقتها من الضربات، كما لن يجد النظام السعودي من يتضامن معه في ظل انشغال دول العالم بمواجهة كورونا وانخفاض الحاجة الى السعودية ونفطها.