الأزمة السعودية تتفاقم .. قمع السعودية لمواطنيها الشيعة وحربها ضد اليمن هي علامات على نهايتها.
بقلم: روب برنس وابراهيم كازيروني. المعهد الأمريكي لدراسات السياسية. الثلاثاء 24 مايو 2016.
ترجمة: عبدالرحمن مطهر أبوطالب.
يؤكد علماء الفضاء أن النجم حين يكون على وشك الإنهيار، فإن نواته تصبح غير مستقرة، حيث يبدأ النجم في الإتساع إلى ما هو أبعد من حجمه العادي، وحين يظهر في حجم كبير، فإنه حينها يكون في الواقع في أضعف حالاته.
هذه بالضبط هي الحالة التي تعيشها المملكة العربية السعودية في الوقت الراهن،ابن خلدون، أحد كبار فلاسفة القرن الرابع عشر، رسم في كتابه “المقدمة” ملامح صعود وسقوط الإمبراطوريات.
ويؤكدا أنه لايمكن لأي مجتمع أن يحقق أي شيء ما لم يوجد هناك توافق في الآراء بشأن أهدافه وغاياته، بالإضافة إلى تمتعه بالتضامن المجتمعي والذي أشار له “بالعصبية” أو الإجماع على دعم تلك الأهداف، يخلق التنافس على النفوذ الشخصي والفساد وإغواء الثروة نوعا من الفتور العام الذي يشكل الطور الأخير لأي قوة مهيمنة.
كل المؤشرات تشير إلى أن السعودية تمر بمثل هذه المرحلة في الوقت الحالي.
كنا قد تطرقنا في مقال السابق إلى الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الانكماش الاقتصادي، في نهاية المطاف، في تهيئة الظروف لانهيار النظام الحالي في شبه الجزيرة العربية.
و في هذا المقال سيتم التطرق إلى عدة عوامل أخرى وتقييم آثارها على الهيكل السياسي في شبه الجزيرة العربية، من بين هذه العوامل: انحسار السلطة في السعودية.
هجر الحكام السعوديون دورهم التقليدي في عدم الإنخراط المباشر في أي قتال أو حرب وتحولت سياستهم إلى التدخل العسكري المباشر عبر إعلانهم الحرب الشاملة على اليمن في 25 مارس عام 2015، ودعم القمع المستمر في البحرين.
يكشف الدور السعودي في تمويل وتدريب ودعم الإرهابيين والمرتزقة في العراق وسوريا، علاوة على عدد آخر من العوامل و الأنشطة، إلى أي مدى تراجعت السلطة الملكية السعودية.
الأزمة الشاملة في البلاد تزداد عمقا على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية. يركل التنين ويرفس عندما يشعر بأن مخالبة يمكن أن تفقد قوتها.
في نهاية المطاف، سيأتي الإنهيار من داخل بيت آل سعود نفسه.
الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان. في يوم الثلاثاء 22 سبتمبر 2015، كشف موقع ميدل إيست آي النقاب عن قصة رسالة كتبها أحد الأعضاء البارزين في العائلة المالكة السعودية تدعو إلى “التغيير” في القيادة لدرء انهيار المملكة.
وكانت هذه الرسالة التي وزعت في المقام الأول بين الأسرة السعودية قد ألقت باللوم على منصب الملك سلمان في التسبب بمشاكل غير مسبوقة نشأت من عدم اهليته بالمنصب وهو ما يهدد استمرار بقاء النظام الملكي.
وحذر الأمير في الرسالة بالقول “لن نكون قادرين على وقف استنزاف المال والمراهقة السياسية والمخاطر العسكرية ما لم نغير أساليب صنع القرار، حتى لو كان ذلك يعني ضمنا تغيير الملك نفسه”.
وبالرغم من عدم وجود مؤشرات على بروز انقلاب داخلي، إلا أن الاقتصاد وانتهاكات حقوق الإنسان والحروب الإقليمية يمكن أن تكون مؤشرات هامة على أن عصر آل سعود في شبه الجزيرة العربية يمر بالأطوار النهائية من وجوده.
المملكة العربية السعودية ديكتاتورية ريعية متواطئة مع الإرهاب العالمي، وتحكمها أسرة ديكتاتورية لا تتسامح مع المعارضة وتعاقب بشدة المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، تصاعدت بشدة موجة العنف التي يرتكبها النظام السعودي، ليس فقط ضد الطائفة الشيعية الأقلية في شعب المملكة، ولكنها تصاعدت على نطاق عالمي.
يستخدم النظام القمع ضد كل من يجرؤ على التشكيك في السلفية الوهابية سواء في الداخل أو في الخارج، حيث يوضح رد الفعل السعودي مؤخرا حول طباعة تقرير أحداث 11/9 جزء من هذا الاتجاه المقلق.
مثل هذا الازدراء غير المسبوق لحقوق الآخرين يمكن أن يستخدم في نهاية المطاف كمقياس لتقييم انهيار سلطة آل سعود في شبه الجزيرة العربية.
تعد شبه الجزيرة العربية في الأساس جزيرة صحراوية كبيرة يحدها البحر الأحمر والخليج الفارسي. تنتج المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة هذه ما لا يقل عن 80٪ من النفط السعودي وتحوي حوالي أربعة ملايين نسمة، الأغلبية الساحقة منهم من الشيعة الذين تعرضوا للاضطهاد من قبل الحكومة الوهابية السعودية لعدة عقود.
انتهاك حقوق الأقلية الشيعية منتشر بشكل واسع وغير إنساني. فقد جرى هدم مساجد الشيعة ومدارسهم آيلة للسقوط، كما يجري سجن الشخصيات الدينية وتعذيبهم وإعدامهم بشكل منتظم.
قبل بضعة أشهر فقط، تم إعدام واحدا من علماء الدين الشيعة البارزين في المجتمع، الشيخ باقر النمر، بعد سجنه لمده طويله لأنه تحدث ضد القمع الذي تتعرض له الطائفة الشيعية.
وصف الشيخ النمر حياة الشيعة في المملكة العربية السعودية بالقول “منذ لحظة ولادتك، تكون محاطا بالخوف والترهيب والاضطهاد وسوء المعاملة، نحن نولد في جو من الترهيب،بل إننا نخاف من الجدران، من منا ليس على دراية بالترهيب والظلم الذي نتعرض له في هذا البلد؟ أنا عمري 55 عاما، أي أكثر من نصف قرن، من يوم ولدت وحتى اليوم، لم يسبق لي أن شعرت بالأمان في هذا البلد، دائما ما يجري اتهامك بشيء ما، دائما ما تكون تحت التهديد. لقد اعترف لي مدير أمن الدولة بالكثير. قال لي عندما تم اعتقالي (يجب قتل كل واحد منكم أيها الشيعة) هذا هو منطقهم”.
يقال أن محمد بن سلمان نجل الحاكم الحالي والبالغ من العمر 35 عام، هو من نصح والده بضرب عنق الشيخ نمر باقر النمر لانه تجرأ على تحديه.
أدانت الدولة زعيم المعارضة ونفذت فيه حكم الإعدام بعد أن كانت جريمته الوحيدة هي صياغة وترديد شعار “الاستبداد غير شرعي”.
الحقيقة أن هذا القائد الذي كان شيخ الحركة الشيعية قد عزز فقط من الشعور العنصري ضد غير السلفيين، الذين يحظر عنهم التعليم الديني ويمنعون أيضا من الإنخراط في الخدمة العامة للدولة. القضية التالية التي من الممكن أن تحدث انهيارا للمملكة، في إطار هذا الموضوع، هي الحرب الوحشية وغير المشروعة في اليمن.
أخذ محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، على عاتقه شن الحرب ضد اليمن التي تعد أفقر وأضعف دولة في العالم العربي، منذ أكثر من عام بحجة مساعدة الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي الذي تمت الاطاحة به من قبل تحالف بين قطاعات مختلفة في المجتمع اليمني طالبت بالديمقراطية والتغيير الاجتماعي والاقتصادي الملموس في بلادها.
هذه الحرب ينفذها السعوديين في المقام الأول وبدعم ضمني من الولايات المتحدة وأعوانهم الإقليميين (قطر، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، الكويت، وغيرها وذلك جنبا إلى جنب مع خدامهم مثل مصر والمغرب).
وقد أدت الحرب إلى عواقب وخيمة على اليمنيين. حيث قتلت وجرحت عدد غير معروف من المدنيين وتسببت في نزوح ما يقرب من مليوني شخص وخلفت قرابة 500 ألف لاجئ وتسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة.
كما أعلنت الأمم المتحدة رفع درجة الوضع الإنساني في اليمن إلى مستوى حالة التأهب القصوى.
يستهدف القصف العشوائي كل البنى التحتية المدنية وصولا إلى المناطق السكنية والأسواق ومخازن الحبوب وخزانات المياه والمستشفيات والمدارس والمساجد، وحتى المواقع الأثرية والمقابر.
تذكرنا هذه الحرب بالأيديولوجية المدمرة لداعش التي تستمد جذورها من المملكة العربية السعودية، حتي مواكب المدنيين الفارين من العنف، لم تسلم من الاستهداف.
فرض السعوديون حصارا لا يرحم على اليمن التي تستورد 90٪ من احتياجاتها الغذائية. ومنعت منظمات الإغاثة من إيصال الإمدادات إلى البلد، ليس هذا فحسب، بل أنه يتم استهداف العاملين في هذه المنظمات أثناء عملهم في تقديم المساعدة الإنسانية.
أكثر من 21 مليون شخص، يمثلون 80٪ من سكان اليمن، لايستطيعون الحصول على ما يكفي من السلع والخدمات الأساسية مثل الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الطبية والكهرباء والوقود.
هناك تقارير متكررة للعديد من الوكالات الإنسانية العالمية تفيد بأن المملكة العربية السعودية تستخدم اسلحة غير تقليدية (كالقنابل العنقودية، وحتى الأسلحة الكيميائية)، وتقوم بارتكاب جرائم حرب قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
كان الهدف من العدوان السعودي هو كسر تحركات هذا البلد الفقير نحو الاستقلال بعد تاريخ من التبعية للرياض، ولكن لم تحقق هذه الحرب حتى الآن أيا من أهدافها المعلنة.
بل على العكس من ذلك، أمسكت المقاومة اليمنية بزمام الأمور في معظم المدن اليمنية الرئيسية ونقلت الحرب إلى الأراضي السعودية.
لقد أدت الهجمات السعودية إلى توحيد البلاد – القوات المسلحة النظامية للرئيس السابق علي عبد الله صالح والمتمردين الحوثيين واللجان الشعبية الأخرى – وراء شعار “الموت لبيت آل سعود”، وهو ما يعد تطورا غير مسبوق في منطقة الشرق الأوسط.
وهذا يعلن السقوط الحتمي لأسرة آل سعود الذين كانت أيديولوجيتهم الوهابية وسياستهم الخارجية بمثابة السرطان في جسد الإسلام . الرياض الآن في طريق مسدود، فقد فشلت حملتها العسكرية الجوية في اليمن فشلا ذريعا تماما كما انتهت الحروب الست السابقة منذ عام 2004 من قبل القوات الموالية للرئيس صالح ( الذي كان في السابق دمية بيد آل سعود وأصبح الآن متحالفا مع المتمردين الحوثيين).
وفي إطار مواجهة المعارضة الداخلية من خلال قمع الأقليات الدينية، فإن الدكتاتورية السعودية ترى التهديدات والمخاطر تحيط بها من كل جانب.
فهي ترى التهدايدات القادمة من وراء البحار متمثلة في العلمانيين والقوميين والحكومات الشيعية الحاكمة، وترى التهديدات الداخلية متمثلة في المواطنين السنة المعتدلين وفي الديمقراطيين والحركات النسائية.
كما ترى أن التهديدات القادمة من داخل الزمرة الملكية تتمثل في أعضائها التقليديين والحداثيين. وفي مواجهة كل هذه التهديدات، إتجه النظام السعودي إلى تمويل وتدريب وتسليح شبكة دولية من الارهابيين الموجهين بشكل رئيسي نحو غزو وتدمير والهجوم على الأنظمة المعارضة لنظام الملالي الديكتاتوري في السعودية.
للأسف، فإن عدم وجود دولة ذات سلطة أخلاقية أو إرادة حقيقية لمواجهة استخفافهم الوحشي بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي المستمر في مقابل عائدات النفط، فضلا عن دعم النخبة السيئة المعتادة من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، سيجعل السعوديون يستمرون في سفك الدماء وارتكاب المجازر.