استراتيجيات (الخلايجة) تلعب بالنار الأمريكية. بقلم: حمود عبدالله الأهنومي

استراتيجيات (الخلايجة) تلعب بالنار الأمريكية
بقلم: حمود عبدالله الأهنومي
مخطئ من يظن أن هذا العدوان السعودي الأمريكي على اليمن يأتي صدفة وحسب رغبة وطريقة ملك السعودية الجديد وابنه “المهفوف”، بل ما تشير إليه الوقائع والمواقف السابقة والحالية أنه يعبِّر عن استراتيجية جديدة انتهجتها السعودية وتم التحضير لها والإعداد والتخطيط بإشراف أمريكي من قبل العدوان بأشهر، وله ارتباط بالاتفاق النووي الإيراني ونتائجه، وما يجري الآن هو التنفيذ وكان سيحدث ذلك حتى ولو كان في ظل الملك الراحل عبدالله.
في 25/ 11/ 2014م ناقشت كلية العلوم الاستراتيجية بجامعة نايف للعلوم الأمنية رسالة ماجستير بعنوان (تصور استراتيجي لمواجهة النفوذ الإيراني وانعكاساته على أمن المملكة العربية السعودية) مقدمة من الطالب عبدالعزيز بن فرحان الريس، خلُصت نتائجها إلى أهمية اليمن الجيوسياسية للدول الخليجية والسعودية تحديدا، وإلى ضرورة إيجاد حكومة ونظام (مواليين للسعودية) في اليمن لمواجهة النفوذ الإيراني، كما خلصت الدراسة إلى أن لدول الخليج “قوة ناعمة لم يتم اكتشافها وتفعيلها حتى الآن، ومن الضروري مساهمة هذه القوة إلى جانب القوة الخشنة التي تحتاج إلى تطوير وتنويع مستمر في الجودة والمصدر”، وهذا يكفي لإثبات توجهٍ خشِنٍ في سياسة هذه الدول ظهر من قبل أن يتقلد سلمان دفة الحكم في 21يناير 2015م، وأن مبتغى السعودية هو حكومة يمنية ليس لإسعاد اليمنيين بل لتكون خدام خدام الأمريكي في مواجهة إيران.
كما أوصت هذه الدراسة أيضا بأن تعمل القوة الناعمة هذه مع القوة الخشنة “لتخفيف الاعتماد على القوى الدولية من أجل فرض الأمن في الخليج العربي”. وتعني القوة الناعمة التي ينبغي اكتشافها وتفعيلها تلك الأحزاب والهيئات والشخصيات التي طالها النفوذ السعودي في اليمن، وهي القوة الاقتصادية والمالية التي استطاعت بها إسكات الضمير العالمي لأن ينبس ببنت شفة تجاه أفظع جرائم العالم المعاصر، وهي القوة الإعلامية الهائلة التي زوّرت كل حقيقة، وشوهت كل جميل، وزيفت كل واقع، وهي أيضا تلك القوى المتمثلة في الحركات السلفية العنفية التي تحركها الاستخبارات مباشرة أو غير مباشرة لتنفيذ ما يسمى في العلوم الاستراتيجية بـ(حروب الجيل الرابع) ضد المستهدفين، ومنه تجنيد عملاء في البلد المستهدف لتقديم خدمات عدوانية، وزرع خلايا انتحارية وجماعات تخريبية لإنهاك الأنظمة وإحداث الفوضى وتنفيذ الاغتيالات والتفجيرات الانتحارية واللااستقرار في البلد المستهدف.
في16 نوفمبر 2014م أبدى الملك الراحل عبدالله قلقه من التغيير في اليمن، وشكى لنظرائه الخلايجة أن “الحوثيين أكلوا اليمن”، وأن الرئيس السابق صالح رفض أن يكون شريكا في اصطفاف واسع يضم وكلاء الرياض في اليمن ضد أنصار الله؛ وهو الأمر الذي أكّده صالح في مقابلته مع الميادين بتاريخ30 مايو 2015م، والتي كشف فيها أن الرياض طلبت منه في رمضان 1435هـ الموافق يوليو 2014م الاصطفاف مع الإخوان المسلمين وهادي لمواجهة أنصار الله، وفي هذا السياق نتذكر قناة المسيرة التي أعلنت بتاريخ 19 يناير 2015م عثور اللجان الشعبية على ما سمي بـ(الاستراتيجية الأمنية) مع أحد رجال السعودية وأمريكا في اليمن وهو أحمد عوض بن مبارك تضمنت فيما تضمنته مواجهة أمنية ناعمة وساخنة ضد أنصار الله.
ويرى العقيد الأمريكي ومحلل الشؤون العسكرية في الـ(CNN) ريك فرانكونا أن الحرب على اليمن اليمن كان مخططا له منذ أشهر، بدلالة حجم القوات والدول المشاركة فيه، وتؤكد التقارير المختلفة مشاركة الأمريكيين في هذا العدوان إلى حد تحميل المنظمات الحقوقية مسؤولية جرائم هذه الحرب على أمريكا، وفي ضربة باب المندب اختلط الدم الإسرائيلي والأمريكي والسعودي والإماراتي والقاعدي والداعشي والجنجويدي والبلاك وتري، وهذا كله يؤكد أن الأمر كان قد دبر بليل، وأن هذا العدوان عبارة عن غزوة كونية لم تكن تنتظر التبريرات السخيفة والسطحية التي تُرْجِع سببها إلى مزعوم إعادة الشرعية، أو طلب الإمعة هادي للتدخل، فتصريحاته الأخيرة بعدم علمه، وأن الأمريكان أكدوا له عدم التدخل، وكذلك تصريحات الأمير المهفوف بن سلمان بأن السبب هو وجود قوة يمنية بيدها صواريخ تشير إلى ما سبق ذكره.
لهذا يجب التنبه بأن هذا العدوان كان أمرا مقضيا عند الأمريكان وحلفائهم بني سعود، سواء في عهد عبدالله أو في عهد سلمان، وسواء قام أنصار الله بمناورة عسكرية على الحدود أم لم يقوموا بها، وسواء خلق الله شر دوابه عبدربه منصور هادي أم لم يخلقه.
ويتبين من خلال المتابعة لأدبيات المحللين الخلايجة والعرب والأجانب المقربين أنظمة الخليج الغنية أن هذا العدوان يأتي ضمن استراتيجية مواجهة إيران الساخنة، حيث يبدو أن الأمريكيين بصدد صناعة مخالب حديدية جارحة لعملائهم في المنطقة، يستعرضون بها رجولتهم، ويثبتون فحولتهم، لتوريطهم أكثر، وتمرينهم على الانغماس في الفتنة بشكل أوضح، وليقعدوهم في محل (نائب الفاعل) ولكن بعلامة (نصب وخفض)، ولأن الأمريكي يريد أن يتخفف من بعض الالتزامات الأمنية تجاههم، بعد أن ارتفعت حظوظه في النفط الصخري الذي سيكون بديلا عن النفط العادي الذي استوجب حضوره القوي والمتحكم قبلُ.
يجب أن نعرف أن هذه القائمة من المحللين الخلايجة بدءا من عبدالله النفيسي وتحريضاته المجنونة، إلى الشليمي وعنترياته المستفزة، إلى خاشقجي وإخوانياته المبطنة، إلى قرقاش وخلفان وآل مرعي والنعيمي وهرائهم المستمر، وافتراءاتهم المضحكة، هي النسخة الظاهرة والبارزة للمحللين الحقيقيين من واضعي الاستراتيجيات التنفيذية، فمن يقرأ أطروحة (الريس) الأكاديمية والمشار إليها سلفا في مواجهة إيران في اليمن، يجد أن النتيجة الطبيعية لهذه التحليلات والدراسات هو هذه الحرب العدوانية القذرة ضد اليمن وشعبه، إنهم يدركون جيدا أن اليمن ليست إيران، وأن يمن الإيمان لا يوجد به مجوسي واحد، ومع ذلك يصرون على ضلالهم القديم، وعدوانهم العقيم، بأنه يجب أن يحاربوا إيران في اليمن، فيدمرون كل شيء، ويقتلون كل حي في اليمن، باعتباره مجوسيا إيرانيا، يهدد الأمن القومي العربي.
ولا يختلف الأمر كثيرا وأنت تقرأ لعبدالرحمن الراشد، او الدكتور الرميحي، أو حتى اللبناني من تيار المستقبل رضوان السيد، وهم يكتبون عن اليمن من وجهة نظر سعودية أمريكية، أما إذا أطللت بنظرك على تغريدات أحد أبرز واضعي خطط الاستراتيجية السعودية وهو الأمير تركي بن فيصل آل سعود، والمقرب أمريكيا والمعجب به إسرائيليا، فإنك ستكتشف (مهافيف) آخرين إلى جانب بن سلمان تنيبهم أمريكا في حربها على إيران ولكن بتمزيق أشلاء أبنائنا وأطفالنا وتدمير جسورنا ومدارسنا وجامعاتنا.
تهدف أمريكا إلى خلق وضع جديد تستثمر فيه شركات التصنيع الحربي لقضم تلك الأموال الخليجية الهائلة المودعة في البنوك الغربية، ولإيجاد نزاع طائفي مذهبي يتستر على المشاريع الجيوسياسية، ويطمئن إسرائيل بأنها فعلا قد أصبحت في وضعية مريحة في فلسطين وكتم أنفاس وأرواح شعبها المظلوم، تريد أمريكا أن تطمئن على فعالية مخالب العملاء الضعفاء الذين يراد لهم أن (يستأسِد هرُّهم) و (يستنسر بغاثهم) ولو لبسوا غير جلودهم، للإبقاء على فتيل الفتنة بين المسلمين على حساب قضاياهم المحقة والأساسية. إنها الحضارة المادية في أقبح صورها المادية القميئة والظالمة.
من المؤسف أن يضعنا الأمريكان والخلايجة حقل تجارب لـ(هررهم المستأسدة) وفحولتهم الغائبة، وأن يتم العدوان علينا كجزء من استراتيجية مواجهة إيران، وأن ندفع ثمنا باهظا لأهداف حمقاء.
إن المناخ المنبعث عن هؤلاء وخططهم الاستراتيجية وعدوانهم المتوحش على اليمن بشكل لم يسبق له مثيل يشير إلى توقع المزيد من توتير الأوضاع في المنطقة، والمزيد من الصراع والحروب وإشعال نيران الفتنة، ولكنه سيفضي بدون أدنى ريب إلى إفلاس هذه الأنظمة سياسيا وحقوقيا واقتصاديا واستعدائها لمحيطها العربي والإسلامي وإشعال جذوة التكفير العنفي فيها وإلى استنزافها وتغييب حالة الاستقرار فيها، وأنها أنظمة مهيئة للسقوط.
يورد المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجيات مسحا نفذه 500 خبير في السياسة الخارجية الأمريكية، وضعوا زعزعة الاستقرار السياسي في السعودية ضمن التهديدات المتوسطة التي تتعرض لها مصالح أمريكا في عام 2016م، وعزا التقرير ذلك إلى ثلاثة عوامل: أولاً، تفيد بعض التقارير بحدوث خلافات داخل بنية السلطة الحاكمة، ثانيًا، ورود تقارير خاصة حول وجود صعوبات مالية أو اقتصادية أو مشكلات خاصة بالموازنة في المملكة نتيجة تراجع أسعار النفط الذي سيترتب عليه تراجع الإيرادات الحكومية، وثالثًا التدخل السعودي العسكري في الحرب الأهلية الدائرة في اليمن. وبرأي التقرير، فإن ثمة قلقا حيال إنهاك السعودية لمواردها الخاصة، لا سيما في ظل عدم وضوح كيف سينتهي هذا التدخل، ولا كم العبء الذي ستتحمله السعودية والتبعات الوخيمة المترتبة عليه.
إذا على صانع القرار اليمني أن يدرك أن حالة الصراع العبثي في المنطقة المخطَّط له أمريكيا والمغذَّى وهابيا والمستفاد منه صهيونيا وما آلت إليه أوجاع وآلام هذا العدوان القذر في اليمن وارتباطه بالعنف والنشاط التكفيري المفعّل باعتباره قوة ناعمة في مختلف بقاع العالم – يبين أنه لا خيار لنا إلا استراتيجية المواجهة للعدو بكل الوسائل الممكنة، وأنه من البعيد حصول أي نوع من العودة إلى الهدوء إلا بعد ذهاب هذه الأنظمة التي زرعها الاستعمار والتي ظلت علامة ثابتة لتخلف المسلمين وتراجعهم، وأنه آن الأوان لرحيلها، لا سيما بعد أن ثبت أن بقاءها بات يشكل خطرا على أمن الوجود الإنساني؛ وهو ما بدأت التقارير العالمية تشير إليه يوما بعد آخر، وآخرها ما وصفت به صحيفة الإندبندنت بن سلمان بكونه (متعجرفا وساذجا ويلعب بالنار).