9 أشهر على التوحش الصهيوني في غزة .. الامتحان الصعب للإنسانية

عبد القوي السباعي : مع دخول الشهر العاشر على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، نتناول في هذه النافذة هذا الحدث المأساوي، للكشف عن السلوك الإجرامي القبيح والمروع لهذا الكيان المجرم.

 لطالما كانت هيروشيما والقنبلة الذرية الملقاة عليها مضرباً للمثل عن حجم الدمار واللاإنسانية الذي تخلفه الحروب، ولكن العدوان على غزة وكمية القنابل التي ألقاها الاحتلال الإسرائيلي على رؤوس أطفال ونساء أهل غزة تفوقت على كل إجرام حصل عبر التاريخ.. لقد تعرضت غزة لوابل من القذائف يعادل سبع قنابل نووية، أو أكثر من التي تم إلقاؤها على هيروشيما، لكن غزة أصغر بكثير من هيروشيما، وهو ما يزيد كثافة النيران التي ألقيت عليها.

تبلغ مساحة غزة 360 كيلومتراً مربعاً، أما مساحة هيروشيما فهي نحو 905 كيلومترات مربعة، وكان قد ألقي على هيروشيما 13 ألف طن من المتفجرات، في حين تجاوز ما ألقي على غزة 79 ألف طن، وبحسب خبراء عسكريين فإن المتفجرات التي ألقيت على هيروشيما من نوع “تي إن تي” (TNT)، بينما ما ألقته “إسرائيل” على غزة خليط يعرف بـ”آر دي إكس” RDX)), الذي يطلق عليه اسم “علم المتفجرات الكامل، وتعادل قوته 1.34 قوة “تي إن تي” ما يعني أن القوة التدميرية للمتفجرات التي ألقيت على غزة تزيد على ما ألقي على هيروشيما.

حرب إبادة بامتياز:

ومع انقضاء الشهر التاسع من العدوان الوحشي ارتكبت خلاله “إسرائيل” وجيشها الهمجي أبشع المجازر، لتكون هذه الحرب الأطول في تاريخ الكيان الغاصب والأشد عنفاً وتدميراً للبشر والشجر والحجر، وصارت غزة قصة الحق في وجه الباطل، ومعركة امتحان الإنسانية والإيمان، والتي لن تمر هذه الجرائم إلا إذا تم الإعلان بموت الضمير الانساني.

واليوم وبعد كل هذا التدمير والعنف أصبحت الملامح الأساسية لهذه الحرب أكثر ارتساماً ووضوحاً، فهي حرب الإبادة الجماعية بامتياز صبت من خلالها قوات الكيان الغاصب جام غضبها وحقدها على الشعب الفلسطيني الأعزل، بعد فشلها في مواجهة حركة المقاومة الفلسطينية في أرض المعركة التي ما زالت حتى اليوم قادرة على استهداف الداخل الإسرائيلي.

من جانب آخر لم تكن الحرب على غزة مجرد حرب تدمير وتهجير، بل كانت إلى جانب ذلك حرب تجويع ومرض وحصار، إذ استطاعت “إسرائيل” إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، ولم تغطِ المساعدات التي دخلت أكثر من 10% من حاجة القطاع من المواد الأساسية، وعن سبب الإصابات غير المعهودة التي يتحدث عنها الأطباء بغزة، فإن سببها يعود لاستخدام نوعيات مختلفة من القنابل، منها مثلا الفوسفور الأبيض المحرم دوليا حتى ضد الجنود والمواقع العسكرية خلال الحروب وفق اتفاقية لاهاي.

كل ذلك جعل سكان غزة يجدون أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الصمود على أرضهم والدفاع عنها والالتفاف حول المقاومة ومساندتها، وإما الخروج من غزة والسماح للكيان الغاصب بتنفيذ مخططاته الاستيطانية التي سعى نتنياهو إلى تطبيقها بكل ما أوتي من قوة، لكن طوفان الأقصى جاء ليصفي هذا المخطط، ويعيد إلى القضية الفلسطينية ضياءها رغم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، لكنه بكل تأكيد كان مدركاً أن طريق التحرر لن يكون معبداً بالورود.

أسلحة فتاكة

وفقاً لخبراء عسكريين، فإن قنابل الفوسفور الأبيض التي يستخدمها كيان الاحتلال الصهيوني في غزة تشتعل في الهواء، وتتسبب في حروق تصل حتى العظم وتلف في أجهزة الجسم وتهتكات بالجهاز التنفسي؛ لأنها تطلق حرارة تصل إلى 1300 درجة مئوية.

وإلى جانب الفوسفور الأبيض، تستخدم قوات الاحتلال حالياً قنابل أعماق (القنابل الارتجاجية) والتي لديها القدرة على الوصول حتى 50 قدماً (15 متراً) تحت الأرض، و6 أمتار بأرضية الكتل الخرسانية، وهذه القنابل هي نفسها التي استخدمتها الولايات المتحدة بالعراق وسوريا وأفغانستان.

أما عن سبب تهاوي البنايات دفعة واحدة، فإنه يعود إلى ضربها بقنابل فراغية (137) والتي تقوم حاضنتها الأساسية على حافظتين، إحداهما للوقود القابل للاشتعال، وأخرى للمتفجرات، مع “فيوزات” قادرة على تفجير الحافظتين بشكل منفصل، وبإمكان هذه القنابل -إذا كانت موجهة- الدخول من نافذة البناية بحيث يحدث الانفجار الأول فينتشر السائل القابل للاشتعال، ثم الانفجار الثاني (المتفجرات) فيتم امتصاص الأكسجين محدثاً ما يسمى “الانفجار الداخلي”، ثم الانفجار الخارجي فتكون النتائج مضاعفة، وهذا بعض مما استخدمته قوات الاحتلال ضد شعب أعزل!

شعبٌ لا يستسلم:

في الإطار؛ وضمن آخر تحديثاتها لإحصائيات حرب الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 9 أشهر، أعلنت وزارة الصحة بغزة، أمس الثلاثاء، ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 37.925 شهيداً و87.141 مصاباً جهم من النساء والأطفال وكبار السن.

 وقالت: إن جيش الاحتلال ارتكب 3 مجازر خلال الساعات الـ 24 الماضية وصل منها للمستشفيات 25 شهيداً و81 مصاباً.

وأكدت المصادر الفلسطينية أن الاحتلال اعتقل 5000 شخص من داخل القطاع منذ بدء العدوان، بينهم 310 من الكوادر الصحية، و23 صحفياً، أما بالنسبة لعدد النازحين، فقد أكد المكتب تجاوز عددهم المليوني نازح، مشيرةً إلى تدمير 195 مقراً حكومياً، و112 مدرسة وجامعة تم تدميرها بشكل كلي، و323 بشكل جزئي، بالإضافة إلى 608 مساجد تم تدميرها بشكل كلي و209 دمّرت بشكل جزئي، كما سجّل المكتب تدمير 3 كنائس داخل القطاع منذ بدء العدوان، واستهدف الاحتلال، حسب المكتب، 161 مؤسسة صحية منذ بدء العدوان، مخرجاً 64 منها من الخدمة، بينها 33 مستشفى، وقدّر المكتب الخسائر الأولية المباشرة لحرب الإبادة على قطاع غزة بـ (50) مليار دولار أمريكي.

  وعلى الرغم من هول المأساة، لكن لا شيء يحرك السواكن، أو يهز الضمائر المحنطة، فآلة القتل الصهيونية تعبث بكل شيء في قطاع غزة، حيث تعدم وتنسف كل مظاهر الحياة على مدار الساعة، ولا مكان آمن هناك.

 في غزة ترتفع أصوات الشعب حتى الأطفال يطلبون الموت، وينشدون الشهادة، ليس زهداً في هذه الحياة، وليس هرباً من جحيم اجتمعت فيه كل شروط العداء للحياة من الملاحقة براً وبحراً وجوا، والقصف بكل أنواع الذخيرة والقنابل المحرمة دولياً، تدوي عالياً ليس تحاشياً لكل أسباب الموت البطيء بالحرمان من الغذاء والماء والدواء والملجأ والتنقل، ولكن رفضاً للاستسلام أو النزوح خارج القطاع.

في غزة تشاهد البيوت والطرقات والمدارس والمساجد والمستشفيات وعربات الإسعاف والمخيمات ومراكز الصليب الأحمر والأونروا أو ما بقي منها بعد تسعة أشهر من القصف الهجمي والدمار الشامل، كانت أهدافاً حيوية لجيش الاحتلال الذي فقد البوصلة وأطلق العنان لأحقاده تقوده في حرب لا متساوية بين كيان يتمتع بكل الدعم والتمويل العسكري الذي لا ينضب وبين فصائل للجهاد والمقاومة تعيش في الأنفاق وقياداتها مطاردة تحت الأرض وفوق الأرض ولا أحد يملك القدرة على تحديد ما بين يديها من عتاد أو رجال وما إذا بدأ ينضب أو أنه بإمكانها مواصلة الصمود وتقديم مزيد من المفاجآت.