7 أكتوبر .. كيف غيّر وجه المنطقة
شكل الـ7 من أكتوبر من العام الماضي نقطة فاصلة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي، بعد أن وصل الإجرام الصهيوني حدوداً لا تطاق، وبالتالي فالعملية البطولية التي نفذتها الفصائل الفلسطينية كانت ضرورة، بعد إفلات العدو الصهيوني من العقاب جراء تماديه في الغطرسة على الشعب الفلسطيني وانتهاك الخطوط الحمر، بداية من محاولات تهويد المسجد الأقصى وتوسيع الاستيطان وهتك أعراض الأسيرات الفلسطينيات، ناهيك على سنوات طويلة من الحصار الجائر على قطاع غزة إلى أن وصلت الأوضاع المأساوية لا تطاق مع انقطاع الأمل في المؤسسات الدولية والمنظمات الحقوقية. كان لا بد للشعب الفلسطيني أن يقول كلمته بعد أن وصل إلى خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام وانتظار المجهول، أو المبادرة لانتزاع الحقوق. وهو ما تم بالفعل.
مع صباح الـ7 من أكتوبر قالت المقاومة الفلسطينية كلمتها، بتنفيذ عملية هي الأكبر منذ بدء الصراع مع الكيان الصهيوني، تمكنت خلالها المقاومة من تغيير الواقع الفلسطيني بشكل كامل، ومن ثم الامتداد لتغيير المنطقة بشكل عام. كانت الطلقة الأولى في تلك المعركة بالقضاء على “فرقة غزة” وإيقاع جنودها وضباطها بين قتيل وأسير أو هارب من المعركة. أما على المستوى المعنوي فقد أدت العملية البطولية إلى إسقاط الحدود الفاصلة مع فلسطين المحتلة والدوس على الأراضي الفلسطينية المحتلة بآلاف من أقدام المجاهدين المباركة كخطوة أولى لاستعادة الأرض وتحرير المقدسات.
لحظة تاريخية
بعد استنفاد كل الخيارات، حملت المقاومة الفلسطينية مسنودة بالشعب الفلسطيني ما استطاعت من أسلحة. توجه الجميع صوب الأراضي الفلسطينية المحتلة ، في اللحظة التاريخية التي شكَّلت نموذجًا مصغَّرًا مما يمكن أن تكون عليه مواجهة التحرير الكبرى، التي يندفع فيها كل الشعب الفلسطيني ليزيل كل حواجز الفصل الإسرائيلية ويستعيد أرضه المغتصَبة. شكَّلت عملية الـ7 من أكتوبر ، فنيل معركة كبرى، كانت الأمة في أمس الحاجة إليها لإثبات وجودها والحفاظ على يمكن الحفاظ عليه من الكرامة والتعاليم الإسلامية.
قطعت المقاومة الطريق أمام كل المخططات العدوانية الإسرائيلية، وأمام تجاهل العالَم لحق الشعب الفلسطيني، وضربت ضربتَها ودشَّنت مسار مواجهة لم يتوقف عند حدود قطاع غزة، وحفز كل الأحرار في العالَم للعودة إلى زخم التفاعل مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المسلوبة، وفتح حالة اشتباك مفتوحة في الوطن العربي مع الكيان الذي قدَّم نفسه قبل أقل من شهر من “طوفان الأقصى” على أنه الشريك الاستراتيجي الذي سيقود دول المنطقة بدعم من الولايات المتحدة.
لم ينتهِ “طوفان الأقصى”، ولا يمكن لأحد حصر موجاته المستمرة في المنطقة والعالَم، والتي حوَّلت الشعبَ الفلسطينيَّ من شعب وُضع على هامش الفعل والتأثير إلى جوهرِ التفاعلاتِ السياسيةِ العالَمية، والعنوانِ الحاضرِ في كل مَحفَل.
عنصر المفاجأة
استطاعت المقاومة الفلسطينية مفاجأة العدو ومباغتته، من خلال مبادرتها النوعية التي أطلقت فيها آلاف الصواريخ على الغلاف، واستغلال هذه الكثافة الصاروخية لدخول قوات النخبة القتالية. بعد التمكن من تجاوز كافة الموانع العسكرية على الأرض، إضافة للقدرة على التخفي خلال الإعداد للعملية من الكشف عبر التكنولوجيا المتقدمة التي سلّطها العدو، لإحصاء أنفاس الشعب الفلسطيني في غزة.
نجاح قوات النخبة في الوصول لمدن “غلاف غزة” والسيطرة على التجمعات السكنية يؤكد على نجاعة التخطيط وبراعة التطبيق والتميز في إخفاء أي دلائل عن أجهزة استخبارات العدو الذي كان يغط في سبات عميق في عطلة السبت.
الإعداد والتخطيط والتجهيز والقدرة على إدارة النيران والتخفي عن العدو وإعطاء الأوامر، للقوات المهاجمة، والإسناد الصاروخي والمدفعي، مع القدرة على الفتك بجنود العدو وأخذ مئات الأسرى في وقت وجيز، مع القدرة على اجتواء التفاعل الشعبي، يؤكد مدى الكفاءة القتالية التي وصلت إليها المقاومة الفلسطينية، وهذا يفسر القدرة على الصمود أمام القتل الصهيونية لعام من المواجهات استدم فيها العدو أفتك أنواع الأسلحة واستعان بمن يشاء من الخبراء على مستوى العالم.
لقد سقطت دفاعات العدو حول غزة وانهار جيشه وجدره التي تفاخر بتشيدها لمحاصرة غزة، وسقطت نظرية الأمن برمتها، عندما داستها أقدام المجاهدين وعجلات عربات الدفع الرباعي التي تمتلكها المقاومة؛ وهذا تطور غير مسبوق في تاريخ الصراع.
ما يعزز هذا الإنجاز هو مدى القدرة على المحافظة على هذا الإنجاز النوعي وإيصال العدو الصهيوني إلى حالة اليأس من استعادة أسراه أو القضاء على المقاومة في غزة. ما يضعنا أمام مشهد جديد لا مكان فيه للتراجع أمام المعركة الكبرى التي لن تنتهي إلا بزوال الكيان الصهيوني
إعادة رسم خارطة المنطقة
بعد عام من المواجهات المستمرة، بعد توسع ساحة المعركة إلى سبع جبهات يمكن القول أن معركة طوفان الأقصى أعادت رسم خارطة المنطقة الجغرافية ووسعت حدود قطاع غزة لتشمل المنطقة العربية، كما صححت العملية البوصلة للأمة من جديد وإعادة الاعتبار لأصل الصراع ألا وهو تحرير فلسطين.
إن عملية الـ7 من أكتوبر مثّلت صفعة عميقة ومفاجئة تلقاها الكيان الصهيوني بجيشه المقهور ومنظومته الأمنية والاستخباراتية، وكان لها تداعيات كبيرة وخطيرة على الصعيد الفلسطيني/الاسرائيلي، والصعيد الدولي بعد اكتمال النار حول الكيان الصهيوني جراء تعميد معركة وحدة الساحات بالنار والدم.
لقد أكد مرور عام على عملية طوفان الأقصى أن المقاومة برهنت أنها لا تزال قوية وقادرة على ردع العدو، وتتمتع بخاصية التجدد والتنوع، وتمتلك الكثير من الخبرات والمهارات، وقادرة على ضرب الاحتلال في أماكن موجعة، واستهداف بنيته العسكرية، بينما يكون ردّه عبر استهداف المدنيين.
في المقابل، فقد كشف الصمود الفلسطيني عن حجم الهزيمة التي اعترف بها جنرالات جيش العدو، وكبار خبرائه العسكريين، وتأكيدهم أن ما يحدث يمثل انكسارًا إسرائيليًا حقيقيًا أمام المقاومة، ويشكل بنظرهم تآكلًا لقوة الردع العسكرية.
وحدة الدم والساحات
لقد نجحت كتائب القسام في توحيد قوى المقاومة من خلال الغرفة المشتركة داخلياً ومحور المقاومة خارجياً، وهو ما نراه اليوم من إدارة ناجحة في كافة المجالات السياسية والعسكرية للمعركة التي انطلقت من أجل ثالث الحرمين الشريفين، وباتت اليوم معركة غزة ليست معركة الفلسطيني لوحده بل هي معركة الأمة العربية والإسلامية جمعاء، وهذا ما تُرجم ميدانياً حين أعلن حزب الله اللبناني في الثامن من أكتوبر دخول المعركة وإطلاق رشقات صاروخية وتنفيذ عمليات من جنوب لبنان في إطار الإسناد والنصرة واستمراره في هذه المعركة حتى وقف العدوان على غزة، وتقديم الشهداء والقادة ضمن أقدس وأشرف المعارك ومن أبرزهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والقيادي الكبير فؤاد شكر و وعلي كركي وإبراهيم عقيل وغيرهم من العظام الذين ارتقوا شهداء على طريق القدس.
وفي العاشر من أكتوبر أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن دعم وإسناد المقاومة الفلسطينية من خلال إطلاق دفعة من الصواريخ الباليستية والمجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيّرة على أهداف مختلفة داخل الكيان الصهيوني، إلى جانب استهداف السفن الأمريكية والبريطانية المتجهة لموانئ الاحتلال، وصولاً إلى إطلاق صاروخ “فلسطين 2” فرط صوتي الذي استهدف هدفاً عسكرياً في يافا، كما أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق عن قصف العديد من الأهداف الحيوية للكيان عبر المسيرات والصواريخ وذلك نصرة لأهلنا في غزة ورداً على المجازر الصهيونية بحقهم، ختاماً بالعملية البطولية التي نفذها الأردني ماهر الجازي انتصاراً لغزة على معبر الكرامة وتمكن خلالها من قتل 3 جنود صهاينة ليرتقي بعدها شهيداً على طريق القدس.
وقبل أيام نفذت إيران عملية” الوعد الصادق2″ كرد على اغتيال قادة المقاومة، تم خلال العملية تثبيت معادلة الردع بعد تمكن الصواريخ الإيرانية من دك قواعد العدو الصهيوني بعشرات الصواريخ ذات القدرة التدميرية الكبيرة. مع فشل تام للدفاعات الجوية. وتلكؤ أمريكي عن التورط في المواجهة المباشرة مع إيران، رغم تهديداته المسبقة بالدخول في المعركة في حال تعرض الكيان الصهيوني لعمليات عسكرية من إيران، ما يعني أن الأمريكي نفسه بات على يقين أن السيطرة على الأحداث في المنطقة لم يعد من صلاحياته، فهناك لاعبون جدد لا يزالوا يحتفظون بالمبادرة والقدرة على تغيير المعادلات.