11 مايو 2015.. أكثر من 500 شهيد وجريح في إلقاء “قنبلة” على منطقة “نقم” بصنعاء

لاتزال فاجعة “نقم” المؤلمة عالقة في ذاكرة اليمنيين رغم مرور عشرة أعوام من وقوع تلك المجزرة الوحشية بحق المدنيين في العاصمة صنعاء

الحادي عشر من شهر مايو أيار 2015 سجَّل التَّأريخ في أنصع صفحاته أبشَعَ جريمة “حقد” للعُـدْوَان السعودي الأمريكي على الـيَـمَـن، وذلك باستهداف جبل نقم.

المشهد كان مروعاً بكل ما تحمل الكلمة من معنى، انفجارات متواصلة، أدخنة تتصاعد إلى السماء بألوان متعددة تبدأ باللون الأسود، ثم الأصفر، وحتى الأبيض، واشتعال النيران لا يتوقف حتى للحظة واحدة.

في أسفل جبل نقم، تعدد سكاني كبير، ولهول القصف، اضطر السكان الصامدون إلى الهروب والنزوح؛ حفاظاً على سلامتهم، فيما فضّل البعضُ البقاء مستبسلاً صامداً رغم المخاطر التي تحيط به، وبين الأنقاض ألف حكاية وحكاية، ومآسٍ كثيرة، وأشلاء متناثرة، ومنازل مدمَّرة وأضرار كبيرة.. إنه الجنون السعودي الأمريكي، أو كما يقال الهستيريا اللعينة.

91 مواطناً استشهدوا نتيجة هذا القصف، فيما أصيب أَكْثَـر من 400 آخرين، ونزحت المئات من الأسر، ومن بين الشهداء والمصابين نساء وأَطْفَـال وكبار في السن لم ترأف بهم السعودية في عُـدْوَانها.

في هذا اليوم الحزين اكتظت المستشفيات بالمئات من الجرحى والعشرات من الشهداء ورفعت مكبرات الصوت بالاستغاثة وإنقاذ الجرحى بعد أن استخدم طيرانُ العُـدْوَان السعودي الصهيوأمريكي سلاحاً شبيهاً إلى حد كبير بالسلاح الذي استخدم في ضرب منطقة “فج عطان” في العشرين من شهر أبريل نيسان 2015م، كما ازدحمت الشوارع بالصراخ والبكاء من المواطنين الذين شهدوا هذه الجريمة المروعة التي لم تصل نارها إلى منطقة نقم فحسب، بل امتدت نارها إلى كثير من أنحاء العاصمة.

الهلع الذي أصاب سكان نقم والمناطق المجاورة كان أشد من الموت، كما يعتبره المواطنون الذين التقيناهم والذين نزح منهم الكثير من منطقة نقم، وشعوب، وسعوان وصنعاء القديمة، والسائلة إلى خارج صنعاء، ومنهم مَن نزحوا إلى أطراف العاصمة وبعضهم إلى المدارس وَالجوامع، واستمر النزوحُ حتى الصباح، وفي اليوم الثالث عادت الكثير من الأسر النازحة إلى منازلها رغم الخوف والهلع الذي ما زال يسكنهم، مؤكدين صمودهم ومزيداً من التضحيات.

مأساةٌ من الجريمة

أم عبد الكريم إحدى المصابات تحكي عن الحادثة بالقول: ” أصبت بشظايا واستشهد ولدي عبد الكريم، ولا أعلم بمصير اخوته علي والآخرين.. لا إله الا الله، حسبنا الله ونعم الوكيل.

وتضيف وملامح الانهيار، بادياً على محياها : “ولدي استشهد وراح الجنة ألا لعنة الله على الظالمين”.

أبو حمير هو الآخر يؤكد إصابته بشظايا في رجله، و يحكي عن الحادثة قائلاً: ” سمعنا الانفجار ونحن في المنزل وأثناء ما حاولت الهروب للنجاة، قتل ولدي محمد، وأصبت بشظايا في رجلي”.

يروي المسعفون مشاهد ومواقف موجعة لم يسبق لنا بهذه الخصوصية أن نكون فيه أو شاهدناها على العيان بصورة مباشرة! كومة جثامين من النساء البريئات وأَطْفَـالهن من أسرة واحدة، هي أسرة البحري في منطقة مسيك التي اكتوت بنيران العُـدْوَان السعودي الغاشم على جبل نقم والتي استهدفها صاروخٌ اخترق المنزل ليستقر في أجساد 14 من النساء والأَطْفَـال في مكان واحد أثناء احتفال هذه الأسرة بمناسبة ما يسمونه “الولاد”، فقد استشهد 6 من الأَطْفَـال والنساء فيما جُرح 8 من النساء والأَطْفَـال، وما يزالون في مستشفيات العاصمة.

وفي تلك الحادثة المؤلمة يروي أحد المسعفين بحزن عميق قائلاً : “المستشفيات ممتلئة بالضحايا، والمئات قتلوا،  وهناك العديد من المعاقين والجرحى غالبيتهم من النساء والأطفال”.

 مسعف آخر يحكي عن تجربته المريرة في الإنقاذ قائلاً: “أشلاء الأطفال والنساء والعجائز، وكبار السن متناثرة هنا وهناك.. قمنا بلملمة الضحايا، واسعافهم للمستشفيات والمراكز الصحية، أسر كاملة استهدفت، وانتهت بين قتيل وجريح لم ينجُ منها سوى القليل.

الجميع خرج لإنقاذ الضحايا، كلُ بما يستطيع، هذا بسيارته، وآخر بدراجته، وآخر يحمل الجريح على كتفه، وآخر يقوم بإيواء المتضررين.

فهذا الرجل أحد عاملي الإنقاذ أصيب بشظية في رأسه، وأخرى في قدمه، وهو يقوم بإيواء النازحين في المنازل الآمنة، يؤكد وهو غارق في الدماء أن جرائم العدوان السعودي الأمريكي لا تزيده سوى الصبر، والثبات، والإصرار، في مواجهة العدوان الأمريكي.

ورجل آخر من منقذي الضحايا يؤكد أن العدوان السعودي الأمريكي يسعى بجرائمه الوحشية  لتركيع اليمنيين واخضاعهم للعمالة الخارجية، وهو ما لا يمكن تحقيقه، وأن كثرت الجرائم وعظمت التضحيات.

أسرة البحري التي قضت في انفجار نقم كانت إحدى نماذج القتل والحقد الذي ارتكبها العُـدْوَان السعودي والذي جعل الأَطْفَـال والنساء بنكاً لأَهْـدَافه الجبانة.

في هذه الجريمة المروِّعة يقول عضو المجلس المحلي السابق في منطقة مسيك الشيخ/ محمد الأبيض الذي كان أحد المسعفين: كانت جريمة مروعة وبشعة قتلت النساء والأَطْفَـال وهم آمنون في بيوتهم وشردت المئات.

ويضيف الأبيض: اصطحبت سيارة الاسعاف وكنا نعتقد بأن الإصابات ستكون بسيطةً، فعندما دخلنا المنزل وجدنا جُثَثَ النساء والأَطْفَـال متراكمةً فوقَ بعضها ومتناثرةً أشلاؤها في المنزل، بعضها قد توفي والبعض الآخر في حالة احتضار، كان مشهداً مروعاً ينقل مدى حجم الجريمة والحقد الأسود لهذا العُـدْوَان البائد، فقمنا بإسعاف الأسرة إلى أَكْثَـر من مستشفى. مضيفاً: إنه منظر مؤلم ومحزن ومع ذلك لن يزيدنا هذا المصاب إلَّا صموداً وصبراً وإصراراً على الاستمرار في التحشيد والتعبئة النفسية والفكرية والمادية والتضحية بالغالي والنفيس، ويستحق كُـلّ ذلك في سبيل الحفاظ على حرياتنا وكرامتنا وسيادتنا وعزتنا ومقدساتنا.

ويؤكد عضو المجلس المحلي الشيخ/ محمد الأبيض بالقول: هيهات لهم أَن نترك عاصمتنا ومنازلنا حتى وإن ضربونا بالنووي، وهم حقاً ضربونا بسلاح محرم ونووي، هكذا شاهدناه فحسبنا الله ونعم الوكيل وهو مولانا وحسبهم ومولاهم الشيطان الأكبر وأذياله.

ترويعٌ للإنسانية

طه فيصل ممرض في مستشفى الثورة العام بصنعاء كان متواجداً أثناء قصف العُـدْوَان السعودي على منطقة جبل نقم وعن الآثار الكبيرة التي ألحقها العُـدْوَان على مستشفى الثورة بصنعاء يقول: “لقد تضررت كُـلّ الأقسام في المستشفى جراء الانفجار وهرب المرضى من غرفهم، كما وصلت شظايا إلى حوش المستشفى كادت تودي بحياة الكثير”.

ويضيف: “خلّف العُـدْوَان هزةً أرعبت الموظفين والمرضى، فأكثر المرضى هربوا وباتوا في الطابور يتخبطون في كُـلّ مكان جراء الخوف والفزع، حينها حاولنا أن نبعد المرضى عن دائرة الخطر؛ بسبب وصول قذائف إلى حوش المستشفى، فتساقطت الزجاجات في صالات وأقسام المستشفى، كما تأثر ديكور المستشفى في كثير من أقسامها.

وزاد فيصل بقوله: لا يمكن استهداف أَية مراكز صحية أو وحدة صحية في أَي حال من الأحوال؛ لأننا نقدم خدمة طبية وإنسانية ولن نتزحزح من المستشفى مهما كان صلَفُ العُـدْوَان ومهما كانت جرائمه، فنحن باقون في المستشفيات حتى لو استهدفوها مباشرة.

استهداف مستشفى الثورة العام

حتى المستشفيات لم تسلم من الاستهداف والترويع، فهذا مستشفى الثورة العام بصنعاء والذي يبعُدُ عن جبل نقم أقل من 2 كيلو تعرض للأضرار، فقد وصل تأثير القصف العُـدْوَاني على جبل نقم بأَسْلحَة محرمة إلى مبنى المستشفى التي تضررت مبانيها بشكل كبير وتحتاج إلى ترميم واسع.

وفي هذا الصدد قال الدكتور عبد اللطيف أبو طالب نائب مدير هيئة مستشفى الثورة العام بصنعاء آنذاك أن المنطقة المحيطة بالمستشفى تأثرت بأكملها بما فيها مستشفى الثورة التي تبعد عن الانفجار أقل من 2 كم، فقد تأثرت بشكل كامل على المستشفى ابتداءً من قاعدته الرئيسية حتى آخر دور، حيث تضررت كُـلّ الاقسام وأدوات التكييف وتساقط زجاجات المستشفى وتطايرت بعض النوافذ، كما تأثرت مبنى العيادات الخارجية أيضاً.

وأكد أبو طالب أن إدارة المستشفى تواجدت أثناء الانفجار لاحتواء المشكلة ووثقنا كُـلّ الأضرار عن طريق المختصين في كُـلّ الأقسام بحضور الإعلام، وأن عمليةَ الترميم ستتمُّ في جميع الأقسام الحساسة والتي تستقبل أكبرَ عدد من المرضى، وسنستعين بالمختصين وَالعُمال من خارج المستشفى، وسيكون الترميم على مدار 24 ساعة، وبفترة وجيزة وذلك للعودة إلى العمل بسرعة، وأن عملية الترميم تحتاج إلى تكاليف كبيرة جداً سيتم حصرها من قبل المختصين في المستشفى.

وعقبَ ارتكاب جريمة فج عطّان، غيَّــرَ تحالُفُ العدوان السعودي الأمريكي تسميةَ عدوانه على اليمن من “عاصفة الحزم” إلى “إعادة الأمل”، واستمر ارتكابُ الجرائم بحق المدنيين في معظم محافظات الجمهورية، حتى جاءت الجريمة المروعة في العاصمة صنعاء، بقصف مكثّف وعنيف على جبل نقم في 11 مايو 2015.