يوم الوفاء.. طوفان بشري يجدد العهد مع الشهيدين السيد نصر الله والسيد صفي الدين
مدينة كميل شمعون الرياضية امتلأت بعشرات الآلاف من محبي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذين جاءوا للمشاركة في تشييع رمزين من رموز المقاومة، الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، اللذين استشهدا بغارات إسرائيلية غادرة خلال العدوان على لبنان.
في قلب هذه اللحظات الحزينة، التي طغى عليها الألم والمشاعر الجياشة، حمل المشاركون رايات حزب الله والأعلام اللبنانية، مرفوعة بفخر، مع صور الشهيدين اللذين طبعوا تاريخ المقاومة.
صورتهما لم تكن مجرد ذكرى، بل كانت شعلة أمل ونور، تشعّ منها العزيمة والإصرار على مواصلة الطريق الذي اختاروه، وهو طريق المقاومة والنضال ضد الظلم. وبينما تعالت أصوات الحزن، كانت هناك أيضًا أصوات تردد أن استشهاد السيدين نصرالله وصفي الدين ليس هو النهاية، بل هو بداية مرحلة جديدة، أكثر إصرارًا على تحقيق النصر والمضي قدمًا على طريق تحرير الأرض والكرامة.
غصّت الطرق المؤدية إلى المدينة الرياضية بالحشود الشعبية التي تدفقت من كل زاوية في لبنان، شيوخًا وشبابًا، نساءً وأطفالًا، ملبين نداء الوفاء والعهد الذي قطعوه للشهداء وللقضية. ورغم التحديات التي واجهتهم، من تهديدات الأعداء إلى الظروف الجوية القاسية، كانت إرادتهم أقوى من كل عائق. فالطريق إلى المدينة الرياضية كان بمثابة اختبار حقيقي لمستوى الولاء والوفاء، وعبرت الحشود عن العزم الراسخ في الاستمرار في طريق المقاومة، مهما كانت التضحيات.
وشارك ممثلون عن قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي في مراسم تشييع القائد الشهيد السيد حسن نصر الله والشهيد السيد هاشم صفي الدين، برئاسة السيد مجتبى الحسيني الذي تلا بيان السيد علي الخامنئي في هذه المراسم.
وأكد السيد الخامنئي في البيان الذي تلاه السيد مجتبى الحسيني، أن ” المجاهد الكبير، وزعيم المقاومة الرائد في المنطقة، سماحة السيد حسن نصر الله (أعلى الله مَقامَه)، قد بلغ الآن ذروة العِزّة. جثمانه الطاهر يُوارى في الثرى في أرض الجهاد في سبيل الله، ولكنّ روحه ونهجه سيتجلّى شموخهما أكثر فأكثر يومًا بعد يوم، إن شاء الله، ويُنيران درب السالكين”.
وأضاف “فليعلم العدوّ أن المقاومة في مواجهة الغصب والظلم والاستكبار باقية، ولن تتوقف حتى بلوغ الغاية المنشودة، بإذن الله”. وقال “وأمّا الاسم المبارك، والوجه النوراني لسماحة السيد هاشم صفي الدين (رضوان الله عليه)، فهو أيضًا نجمٌ لامعٌ في تاريخ هذه المنطقة، وقد كان ناصرًا صفيًّا، وجزءًا لا يتجزّأُ من قيادة المقاومة في لبنان”.
وختم رسالته ” سلامُ الله وسلامُ عباده الصالحين على هذين المجاهدين الشامخين، وعلى سائر المجاهدين الشجعان، الذين ارتقوا شهداء في الآونة الأخيرة، وعلى شهداء الإسلام جميعهم. وأخصُّكم بسلامي، يا أبنائي الأعزاء، شباب لبنان البواسل”.
وقد وصل وفد مكوّن من أربعة أشخاص هم: حجج الإسلام والمسلمين الشيخ محمد حسن أختري، السيد مجتبى الحسيني، الشيخ محسن القمي، والسيد رضا تقوي، إلى العاصمة اللبنانية بيروت لتمثيل قائد الثورة الإسلامية في مراسم تشييع القائد الشهيد السيد حسن نصر الله والشهيد السيد هاشم صفي الدين.
وبالتزامن، سلم سدنة مرقد الإمام الرضا (ع) راية الى المسؤولين عن مرقد الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله وذلك قبيل بدء مراسم التشييع في المدينة الرياضية بالعاصمة بيروت.
وشكل الحضور الفلسطيني جزءًا أساسيًا، فقد شارك ممثلون عن فصائل المقاومة الفلسطينية، معبرين عن وفائهم للسيد نصرالله. وكانت هذه المشاركة بمثابة تجديد للعهد بين المقاومة في فلسطين ولبنان على الاستمرار في كفاحهما ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وحضر المراسم وفود من ثوار الأرض من مختلف بقاع العالم، بدءًا من إندونيسيا وصولًا إلى فنزويلا، حيث توافد محبو السيد نصر الله والمناصرون للقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى المناضلين الذين يحملون لواء المقاومة ضد الهيمنة الأمريكية.
جاء هؤلاء ليعبروا عن دعمهم الثابت لمبادئ الحرية والعدالة التي طالما نادى بها القائد الشهيد، وليؤكدوا وحدة الصف المقاوم في مواجهة الظلم والاستعمار في كل مكان.
على الرغم من التهديدات التي جاء بها الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تحليق طائرات حربية إسرائيلية على علو منخفض فوق المدينة الرياضية، إلا أن رد الحشود كان حازمًا. جاء الرد في شكل هتافات قوية ورسائل من التضامن والشجاعة، حيث لم تؤثر الطائرات الحربية في الحشود بل جعلتهم أكثر إصرارًا على المضي قدمًا في مقاومة الاحتلال.
بعد اكتمال مراسم التشييع في المدينة الرياضية، تم نقل جثماني الشهيدين إلى ضاحية بيروت الجنوبية، حيث وُري جثمان السيد حسن نصر الله في مرقده الخاص الذي سيظل رمزًا للصمود والتحدي في مواجهة الطغاة. أما جثمان السيد هاشم صفي الدين فسيتم نقله إلى مسقط رأسه في دير قانون النهر في جنوب لبنان، حيث سيُدفن يوم الإثنين في حضور رسمي وجماهيري.
وشقّت الشاحنة التي حملت جثماني الشهيدين طريقها بصعوبة وسط الحشود الجماهيرية الحاشدة، التي توافدت من كل حدب وصوب، لتودع قادتها. حيث كانت الشاحنة تمر ببطء، وسط مشهد مؤثر حيث تتابع الأيدي المرفوعة من بين الحشود، والعيون التي تفيض بالدموع.
ووصل جثمانا الشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، إلى المرقد الشريف في الضاحية الجنوبية لبيروت، بينما علت السماء أصوات التكبيرات والتكريم. وكان المشهد مؤثرًا، حيث توافدت الجماهير الغفيرة، معلنةً تجديد العهد والمضي قدمًا في درب المقاومة.
وأدت ثلة من المجاهدين قسم الولاء والبيعة لسيد المقاومة السيد حسن نصرالله وصفيها السيد هاشم صفي الدين، في ختام مراسم التشييع التي بدأت منذ صباح اليوم.
ووري الجثمان الطاهر للسيد نصرالله في المرقد الشريف، في حين أن الجثمان الطاهر للسيد صفي الدين سينقل إلى بلدة دير قانون النهر جنوبي لبنان، حيث يوارى الثرى.
لقد كانت تلك لحظاتٍ تاريخية وشهاداتٍ عظيمة تُسجّل في ذاكرة الشعب اللبناني والشعوب العربية، لتؤكد للجميع أن المقاومة لا تتوقف، وأن راية الشهيد ستظل مرفوعة حتى يتحقق النصر.
وكانت رسالة اليوم واضحة، المقاومة في لبنان وفلسطين مستمرة، وأن التضحيات التي قدمها السيد نصر الله والسيد هاشم صفي الدين ستكون دافعًا للأجيال القادمة. وأن شعلة المقاومة التي أضاءها هذان القائدان وغيرهما من القادة الشهداء ستظل مشتعلة حتى النصر.