هل طمأن كيري حلفاءه الخليجيين ؟
حط جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الرحال السبت في الرياض والتقى عاهلها الملك سلمان بن عبد العزيز، ونجله الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع، وكذلك وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست الذين جرى “استدعاؤهم” على عجل إلى العاصمة السعودية، بينما كان جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي يقوم بزيارة “موازية” إلى أنقرة، ويلتقي رئيس وزرائها أحمد داوود اوغلو، ويختتم زيارته بالاجتماع بالرئيس رجب طيب اردوغان في قصره الرئاسي “العثماني” الغارق في الفخامة والبذخ.
الهدف من زيارة الأول، اي كيري، هو طمأنة حلفائه الخليجيين وتبديد القلق، وربما الهلع الذي يراودهم من جراء رفع الحصار المفروض على إيران تطبيقا للاتفاق النووي، واحتمال أن يميل “القلب” الأمريكي إلى الحليف الإيراني الجديد، ويهجر أحباءه القدامى، الذي انخرط في تعاون استراتيجي معهم لأكثر من ستين عاما، وخاض حروبهم و”حرر” ما احُتل من أراضيهم (ليس في فلسطين والجزر الثلاث طبعا).
أما الهدف من زيارة الثاني، أي بايدن، فهو تجديد المحاولات والضغوط الأمريكية لإقناع القيادة التركية بالدخول في حرب برية يجري الإعداد لها، للقضاء على “الدولة الاسلامية” في كل من العراق وسورية وليبيا، وهذا ما يفسر تصريحاته التي قال فيها إنه “مستعد لحل عسكري ضد هذه “الدولة” إذا أخفقت الحكومة السورية والمعارضة في التوصل إلى حل سياسي، وحرص مسؤول أمريكي مرافق له إلى التصحيح والتأكيد بأن الحل العسكري سيكون محصورا في تصفية “الدولة الاسلامية”، وليس لكل سورية.
***
ربما يكون من الصعب التعرف على ما إذا كانت مهمة وزير الخارجية الأمريكي قد حققت هدفها في تبديد مخاوف حلفائه الخليجيين، لأن كل ما قدمه المسؤول الأمريكي هو “حلو الكلام”، مثل القول “لدينا علاقات صلبة، تحالف واضح، وصداقة قوية مع السعودية”، بينما آلاف من مندوبي الشركات والبنوك الامريكية والأوروبية يتدفقون على العاصمة الايرانية بحثا عن العقود والصفقات الدسمة، ومعهم 32 مليار دولار وفوقها الفوائد جرى فك تجميدها تطبيقا للاتفاق النووي.
ما لا يدركه المسؤولون الخليجيون أن المصالح هي التي تتحكم وترسم خطوط السياسة الخارجية الأمريكية، وتحدد طبيعة تحالفاتها وليس “المبادىء”، والا لما تفاوض كيري ومساعدوه مع ايران لمدة ستة أشهر في سلطنة عمان، بينما يحشدون حاملات الطائرات في مياه الخليج، ويبيعون بما قيمته عشرات المليارات من الدولارات من الأسلحة لدولة للايحاء بأن الحرب باتت مسألة أسابيع فقط.
نقول هذا الكلام استنادا لتصريح أدلى به السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، أثناء مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الامريكي الزئر، وقال فيه “انا لا أرى أمريكا جنبا إلى جنب مع ايران التي لا تزال الداعم الأول للإرهاب في العالم”، ولكنه يرى أن وقوفها جنبا إلى جنب مع إسرائيل أمرا عاديا ومقبولا.
السيد الجبير ارتكب خطأ كبيرا، في هذا التصريح، ونسي، أو تناسى، أن الداعم الأول للإرهاب هو الولايات المتحدة الأمريكية عندما كانت الحليف الأوثق لبلاده ودول الخليج، فهي التي دعمت الإرهاب الإسرائيلي، وما زالت، وهي التي قتلت مليون عراقي أثناء غزوها للعراق واحتلاله، وهي التي هيأت البيئات الحاضنة له في افغانستان والعراق وليبيا وسورية، عندما حولت خمس دول عربية الى دول فاشلة، وتأتي بعدها إسرائيل حليفها الأوثق التي تقتل وتحاصر دون توقف، وآخر ضحاياها شهيدة في الثالثة عشرة من عمرها بتهمة محاولة طعن جندي اسرائيل، وإذا كانت إيران دولة داعمة للارهاب، فلا نعتقد انها تتقدم على أمريكا وإسرائيل، اللهم إلا إذا كان مفهوم السيد الجبير للإرهاب وتصنيفاته يختلف عن مفهوم الغالبية الساحقة من العرب والمسلمين.
الولايات المتحدة اختارت الحوار مع ايران لأن بديله الحرب، وهي لا تريد أن تخوض حربا ضد دولة تصنّع معظم أسلحتها، وتملك قاعدة صناعية قوية، قادرة على الدفاع عن نفسها لسنوات، وربما لعقود، وتطلق اقمارا صناعية الى القمر، وتجيد اللعب بالغالبية العظمى من أوراقها الدولية والاقليمية، وتنتخب برلمانها ورئيسها مباشرة عبر صناديق الاقتراع، حتى لو كان معارضا، مثل حسن روحاني.
السعودية ومعها دول الخليج الخمس الأخرى شكلت تحالفا عربيا من عشر دول للقضاء على “عملاء” ايران في اليمن، وأسست تحالفا إسلاميا سنيا من 34 دولة، بينها قوة نووية هي باكستان، وانشأت مجلس تعاون ذا طابع استراتيجي مع تركيا، فلماذا كل هذا القلق والهلع، ولماذا تحتاج إلى الوزير كيري لطمأنتها وتبديد مخاوفها، وخداعها ببعض الكلام المعسول، عن العلاقات الصلبة والصداقة القوية معها؟
لا الأمريكان، ولا غيرهم، سيخوضون حروب السعودية ودول الخليج في الوقت الراهن، لأن ما كان يحدث قبل ربع قرن (حرب الكويت)، لا يمكن تكراره هذه الايام، فأمريكا لم تعد بحاجة الى نفط الشرق الاوسط، والخزائن باتت فارغة بعد تراجع أسعاره، ولجوء دوله، أو معظمها، إلى التقشف والاستدانة، وفوق هذا وذاك، إن هناك قوة عظمى جديدة استعادت، او على وشك، مكانتها، وعادت إلى الشرق الأوسط بقوة، وأصبحت منافسا قويا للولايات المتحدة التي لم تعد تصول وتجول فيها دون منازع، ونقصد بذلك روسيا بوتين.
أحد المسؤولين المرافقين للوزير كيري أثناء زيارته الى الرياض قال بضع كلمات، نقلتها وكالة رويترز العالمية، تلخص الموقف برمته “نأمل أن تعيد السعودية فتح سفارتها في طهران، وأن يتوصل الايرانيون والسعوديون الى طريقة للتعايش”.
انها دعوة او “نصيحة” للسعودية بفتح قنوات حوار مع ايران لتسوية كل القضايا العالقة، تماما مثلما فعلت الحكومة الامريكية ومعها خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (باستثناء المانيا)، ولسان حال هذا المسؤول يقول “هل أنتم أعظم من أمريكا أو أكثر قوة منها وهذه الدول الخمس؟” فاذا كان هذا هو حالكم فتفضلوا.. والله معكم.
كيري لم ينطق بكلمة واحدة سيئة ضد ايران أثناء زيارته للرياض، وكل ما قاله مجاملة لمضيفيه أن بلاده تختلف معها في بعض القضايا “مثل دعم جماعات ارهابية (حزب الله) ومشروعها لتصنيع صواريخ بالتسية”، ولم يكرر اقواله السابقة حول عدم شرعية الرئيس بشار الاسد، أو أن أيامه معدودة، واكتفى بالقول إنه، أي الرئيس الأسد، “مغناطيس يجذب الجهاديين”، ورش المزيد من الملح على الجرح السعودي عندما اختتم تصريحه بالقول “ان مؤيديه يقولون إنه جزء من مستقبل سورية وهذا ببساطة غير ممكن”.
***
في تقديرنا إن هذه التصريحات “الدايت”، أو المخففة جدا وغيرها، لم تبدد القلق السعودي الخليجي بل حولته الى اكتئاب مزمن، ونوبات تشنج عصبي (Panic attacks)، أو هذا ما يمكن قراءته بين السطور.
افتحوا قنوات الحوار مع ايران، وتوصلوا الى تفاهمات حول جميع القضايا العالقة، واعملوا على الإمساك بأسباب القوة في الوقت نفسه، وانسوا امريكا التي طعنتكم في الظهر، واعتمدوا على أنفسكم وصنعوا أسلحتكم وملابسكم واحتياجاتكم، وبعد ذلك لكل حادث حديث.
قدمتم مبادرة سلام لاسرائيل قابلتها بالاهمال والاحتقار، وما زالت، فما المانع أن تفعلوا الشيء نفسه مع دولة جارة مسلمة؟ خاصة أن الرئيس صدام حسين الذي حاربها نيابة عنكم ولحمايتكم لم يعد موجودا، ولا جيشه، الذي حاربها ثماني سنوات، ورقص معظمكم فرحا وطربا لقرار بول بريمير الحاكم العسكري للعراق في بداية الاحتلال بحله والزج بجنرالاته وعقدائه وجنوده في الشارع ثأرا وانتقاما.
من فضلكم عودوا إلى رشدكم.. وتواضعوا قليلا.. وتصالحوا مع شعوبكم وأمتكم.. وتمسكوا بثوابتها وحينها سيكون الجميع امامكم دون أي استثناء.
عبدالباري عطوان
*(رأي اليوم)