ما وراء تصعيد المرتزقة ضد البنوك والاتصالات والنقل بصنعاء؟
إبراهيم العنسي | سخرية القدر تقود بنك عدن المركزي من جديد إلى حقيقة الوضع الذي يعيشه في أجواء مدينة يمكن القول إنها أجواء مليشيات وجماعات متصارعة.
ومع إصرار هذا البنك المتخم بالفشل والانفلات، برز حدث الأمس ليؤكد اللامسوؤلية لدى أولئك، مذكراً إياهم بحقيقة ما هم فيه من الوهم والفشل والفوضى.
صباح السبت الماضي، توتر الوضع بين القوات السعودية التي تحمي البنك في كريتر عدن، وبين مليشيا المجلس الانتقالي التابع للاحتلال الإماراتي، ومحاولة قواته اقتحام البنك بالقوة بعد أن استقدم قوة عسكرية من أطقم محملة بالأفراد ومدرعات لسحب أموال، بغض النظر عن مبرراتها، وما ساقتها مليشيا أبو ظبي من مبررات تقول إن أموال تم نهبها منها سابقاً من الوديعة السعودية، حيث وضعت في بنك عدن، ولا بد من استعادتها”.
وفي شد وجذب مع القوات السعودية، اُستنفرت مليشيات الانتقالي، ثم تكررت المحاولة مساء، وكاد الوضع أن ينفجر، لتفوح روائح جيف المليشيات التي تذكرنا بواقع مركزي عدن، حيث هو اليوم بين حجري رحى مليشيات السعودية والامارات. وحتى الحظة لايزال الوضع متوتراً، وقابلاً للانفجار، في أية لحظة، حيث بنك المعبقي مسلم المشيئة للمتصارعين، وهذا يذكرنا باقتحام المجلس الانتقالي لمركزي عدن في العام 2019، والسطو على حاويات البنك المركزي في العام 2020، التي يربطها الانتقالي بالحادثة الأخيرة.
تنافض بنك عدن
هذه الفوضى التي قادها شكلياً، وعلى حماقة مُنظر الأمس، ومحافظ بنك المليشيات اليوم “المعبقي” تفضح حالة الوهن الذي يعيشه هؤلاء، وإلى أي مستوى من الابتذال قد وصلوا، وأي حال من التناقض يعيشون.
قبل عام خرج المرتزق المعبقي محافظ بنك عدن المركزي، ليؤكد جزءاً من حقيقة وضع البنك، حيث اللادولة واللا نظام ، والقول “إن نقل البنوك التجارية من صنعاء إلى عدن “أمر غير ممكن، ويتطلب أولاً أن تسدد الحكومة مديونيتها للمودعين البالغة 1.7 ترليون ريال، والأهم أنه يجزم أن البنك لن يستطيع الإيفاء بذلك، فالوضع الاقتصادي متدهور، وهو اليوم متدهور أكثر وأكثر، حيث الشارع المحتل يغلي من سوء صنيع المحتل ومرتزقته؟!
شاهد منهم
لم يكتف أولئك بما أوصلوا إليه الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي في المناطق المحتلة من ترد وسوء، فالسفه ماض، والاستخفاف حاصل، ويكفي اختصاراً ما علق به نائب الرئيس التنفيذي “لكاك بنك عدن” شكيب عليوة في صفحته على “فيسبوك” في رد على قرار نقل البنوك قائلاً: ” شي معكم أعذار ومبررات جديدة مش مبررات قد شبع الناس منها..أفيدونا”، في إشارة إلى أن مبررات حكومة المرتزقة، والبنك المركزي في عدن لم تعد مقنعة، وأن الوضع الاقتصادي ينذر بكارثة إنسانية، حيث حكومة المرتزقة على وشك الإفلاس، بينما “خزائن البنك المركزي في عدن خاوية على عروشها من النقد المحلي والأجنبي” بحسب منشوره.
وهاتوا لنا الاتصالات
لم يكتف المرتزقة بموضوع البنك المركزي ودعوته التي كانت محل السخرية، فقد لحقت به مطالبات وزارة الاتصالات في عدن شركات الاتصالات بنقل مقراتها إليها، حيث سطوة اليد الإماراتية على قطاع الاتصالات والمرتبط بشركات إسرائيلية، وارتباط كل ذلك بما يجري اليوم في غزة، والدور الاماراتي المشبوه.
وخلال السنوات الماضية، تم إفشال ومحاربة نجاح أي شركة تعمل في مجال الاتصالات، في المناطق المحتلة، وتم مواجهة استقرار هذا القطاع وغيره، حيث تقود الامارات هذا التوجه الاحتلالي للسيطرة على هذا القطاع، بما فيه الاستحواذ على غالبية أسهم شركة اتصالات “عدن نت”، كما فعلت بسقطرى، حيث تسيطر على اتصالات الأرخبيل، ومساعي الخونة لتمكين أبو ظبي التي كانت مثار جدل طويل تظن بعضاً من قيادات المرتزقة باحتمال وقوع تصفيات، ما زالت تهمها تلاحق هذه الدويلة، وأحلامها للسيطرة على مقدرات أجزاء من البلاد.
وبالحديث عن شركة “تكنولوجي إن إكس” الإماراتية المرتبطة بمشروع اتصالات المناطق المحتلة، وتوقيعها منتصف مارس 2023، اتفاقية تعاون مشترك ، مع شركة Cyberint Technologies Ltd الاستخباراتية الصهيونية، تمكنت الأخيرة من الاطلاع على الجانب الأمني والمعلوماتي للاتصالات، يمكن ادراك الأدوار المشبوهة هناك.
ووفقاً للموقع الصهيوني، تمتلك شركة الاتصالات الإماراتية 155.4 مليون مشترك في 16 دولة بالشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، بما في ذلك مشتركو الهواتف المحمولة والإنترنت، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الشركات التي تستخدم خدماتها الرقمية والسحابية والاتصالات، وهو ما يعني بالضرورة وصول شركة الاستخبارات الصهيونية إلى بيانات جميع المشتركين.
وإيرادات النقل
ومع الحصار الاقتصادي الذي تمثل في الإجراءات غير القانونية على البنوك في الأسابيع الماضية، فقد تزامن ذلك مع عدم اعتماد رحلات شهر يونيو، مع مطالبة وزارة نقل المرتزقة بتحويل الإيرادات الخاصة بتذاكر الطيران إليها، ولا يستبعد ساخراً محافظ عدن طارق سلام أن تلحقهم وزارة التجارة والصناعة في عدن تطالب المصانع والتجار بالانتقال إليها!
هذا ما يمكن وصفه بحمق وجنون الخصوم مع ما يدركونه في قرارة أنفسهم أنهم أقل وأحقر شأناً من أن يفرضوا هذا على صنعاء، وفي هذا التوقيت، حيث يدرك الشارع اليمني موالون وخصوم، أن وراء هذا التصعيد متعلقات حرب غزة واسناد اليمن التاريخي المصيري للشعب والقضية الفلسطينية، وحيث لا قيمة، أو وزن للمصعدين في المناطق المحتلة.
وكما قال محافظ عدن طارق: “فـهذه الخطوة التي تقف وراءها السعودية في تفاهم مع الأمريكيين ستسعى بكل حيلة ممكنة لمواجهة الشعب اليمني المساند لغزّة”، وقد قالها صراحة نائب متحدث وزارة الخارجية الأمريكية: “إن اتفاق السلام لا يمكن أن يستمر إلا بعد توقف صنعاء عن عملياتهم البحرية”، وقالها السفير الأمريكي إن حكومة التبعية لن توقع اتفاقية سلام يكون لـ “الحوثيين” الكعب الأعلى، على حد قوله.
والمفارقة أنه مع دعوة المرتزقة لرأس المال بالانتقال إلى عدن، في أجواء المليشيات والانهيار الكبير للعملة هناك، واقتطاع الايرادات التي لا تصل مركزي عدن والودائع التي تكبل البنك المشلول، هناك أصوات كبار التجار، ورجال المال والأعمال في المدينة تهدد بالمغادرة مع استمرار كارثة الانهيار، واستمرار الأوضاع والأزمات الراهنة في عدن.
وإذا كان هذا هو وضع حكومة المرتهنين، حيث الشعب يموت بمعنى الكلمة في عدن والمحافظات المحتلة بحسب تعبير قيادي الحراك الجنوبي عبد الرحمن الوالي، فكيف تقول للناس: “تعالوا وانتحروا معي”.
وكما علق المحافظ سلام ” فالخلاصة أن حكومة المرتزقة التي جلبتها دول العدوان لقتل اليمنيين من أجل إعادتها إلى صنعاء، انتابها اليأس من العودة، ومع اليأس تحاول نقل صنعاء إليها – وهذا ما يدعو للسخرية- فما يجري يؤكد أن نظام 7/7 يعمل على تجذير تواجده في عاصمة الزبيدي الديمقراطية الشعبية تابعة الإمارات!
غير أن صنعاء حاضرة لمواجهة انتحار المرتزقة، وما يقوم به البنك المركزي بصنعاء في مواجهة الحرب الاقتصادية الامريكية خطوة أولى.