ما بعد اغتيال الشهيد القائد حسن نصر الله.. المقاومة لا تهزم

 

ليس ما بعد اغتيال الشهيد القائد السيد حسن نصر الله كما قبله، فالمنطقة على فوهة بركان، وكل التوقعات أن الأحداث ستتصاعد وقد تصل إلى حرب أشمل وأوسع.

يراهن العدو في هذه المرحلة المفصلية والمجرم نتنياهو على تحقيق هدفين رئيسيين، يتمثل الأول في كسر الروح المعنوية لدى أحرار الأمة، والثاني، يهدف إلى تصدير النصر الزائف إلى الداخل الصهيوني الذي يشعر لأول مرة بتهديد حقيقي يستهدف وجوده اللا مشروع منذ عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر الماضي.

في هذا الوضع الحساس يسعى العدو الصهيوني وعبر أبواق المنافقين من العرب المتصهينين إلى تسويق جملة من الشائعات، تهدف في المقام الأول إلى تكريس الهدف الأساسي للعدو في خلق حالة احباط ويأس لدى أحرار الأمة، وتصوير العدو على أنه كيان لا يهزم، وأن الجبهة اللبنانية ضعيفة وغير قادرة على المواجهة، وأن الضربات التي وجهها في الأيام الأخيرة ضد لبنان، من قتل للمدنيين، واغتيال القادة، هي مقدمة لسحق حزب الله اللبناني وهزيمته، ولهذا يعيش الكيان هذه الأيام نشوة الانتصار، ويستغل المجرم نتنياهو ما يحدث لترميم صورته أمام الشارع الصهيوني، ليتجنب المحاكمة، أو قرار العزل فيما إذا توقفت الحرب على لبنان وغزة.

 

 حزب الله أقوى

وخلافاً لما يسوقه العدو الصهيوني، والأبواق الإعلامية العربية المنحازة له، فإن حزب الله الجريح، يمضي بثبات في معركة الحق، مظهراً صلابة في الموقف، وحنكة في التعامل مع التطورات، وهو ثابت في الميدان من خلال مجاهديه، وصواريخه التي تؤدب الكيان وتوجع مغتصبيه.

مؤشرات الثبات والتماسك لحزب الله جاءت بعد الخطاب الذي ألقاه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ظهر اليوم الاثنين، حيث ظهر في خطاب هادف ومنضبط، موصلاً العديد من الرسائل للداخل والخارج، من أبرزها أن القدرات العسكرية للحزب سليمة ولم يتمكن العدو الإسرائيلي من الوصول إليها، وأن قيادات الحزب على قلب رجل واحد لاختيار الخلف للشهيد القائد نصر الله، موضحاً أنهم عملوا بالخطط البديلة في ظل ظروف مثل هذه.

والواضح من كلام الشيخ نعيم قاسم أن بنية حزب الله، وهيكلته، هي وفق نظام مؤسسي، لا تتأثر بالضربات الكبيرة، والدليل على ذلك أن الضربات الصاروخية للمقاومة الإسلامية اللبنانية تجاه مغتصبات العدو شمال فلسطين المحتلة ظلت على وتيرتها، وبشكل أرفع، ما يشير إلى أن منظومة القيادة والسيطرة لا تزال ممسكة بزمام الأمور، وأن الميدان لديه المئات من القادة الذين يسارعون لملء الأماكن الشاغرة بكل سلاسة ويسر.

لو كانت هذه الضربات وجهت لتنظيم آخر، لربما انهزم سريعاً، وانهار، وقد رأينا كيف زلزلت “إسرائيل” بعد عملية “طوفان الأقصى” ولولا الدعم الأمريكي لهزم الكيان سريعاً، لكن حزب الله ورغم هذه الضربات القاضية والموجعة، إلا أنه يبدي مرونة وسلاسة، بل ويعلن الاستمرار على الدرب ذاته، فالشيخ نعيم قاسم هنا يؤكد أن عمليات الإسناد لغزة ستتواصل، وهذا يضرب الهدف الكبير لإسرائيل بفصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة، كما يؤكد الشيخ نعيم قاسم على الاستعداد الكبير للحزب وكوادره لخوض معركة طويلة الأمد مع هذا الكيان، والاستعداد لمواجهة أي غزو بري محتمل.

لقد جاء الخطاب إذاً في توقيت حساس، لينسف كل التباهي الأمريكي والصهيوني بالقضاء على قدرات حزب الله، وليؤكد للجميع أن الحزب بخير، وأن قدراته على لملمة الصفوف سهلة ومتيسرة، وهذا الثبات والصمود هو مفتاح النصر، وهو أكبر الضربات الموجعة على الأعداء ضد جرائمه المتوحشة سواء في قتل المدنيين، أو اغتيال القادة وعلى رأسهم الشهيد القائد نصر الله.

تخييب أمل الأعداء

لا شك أننا الآن في عمق الحرب الشاملة، لم يعد الأمر مجرد تصعيد، أو ضربات متبادلة، فالحرب قد بدأت بكل قبحها وآلامها، والعدو الإسرائيلي ليس بمفرده في هذا العدوان، فخلفه أمريكا والناتو، وكل الرهان لنتنياهو ومحوره هو القضاء على حزب الله، وترسانته العسكرية، وتحويل الضاحية الجنوبية إلى غزة أخرى.

وفي تجارب الحروب، تكون البدايات عسيرة، وكما هو معروف، فإن الأعداء يلجؤون في البداية إلى توجيه ضربات مركزة وموجعة ومؤلمة تستهدف المدنيين، وتصوير ذلك على أنه انجاز، وانتصار، بهدف كسر الروح المعنوية لديهم، لتدفعهم نحو الانهيار ورفع راية الاستسلام، وهو ما يأملون تحققيه بعد اغتيال الشهيد القائد نصر الله، وقيادات حزب الله.

وفي هذه الجزئية بالتحديد، يركز السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله- على الانتباه لمخططات الأعداء والمنافقين، ويؤكد أن أهم ما ينبغي عليه في الظرف الحساس والمهم هو السعي لتخييب أمل الأعداء الذين يعولون على جريمتهم في كسر الروح المعنوية، وإضعاف جبهة حزب الله الجهادية.

لقد حدثت هزات كبيرة بالفعل لدى المقاومة الإسلامية في لبنان بعد سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات حزب الله، وصولاً إلى اغتيال الشهيد القائد حسن نصر الله، غير أن هذا الإرباك لا يقود حزب الله إلى الهزيمة، فتاريخ الحزب مليء بالمشاهد المؤلمة، وقد اعتاد على مثل هذه التحديات، ولهذا شاهدنا الحزب يستمر في عملياته النوعية ويقصف عمق الكيان المؤقت، وكأن الشهيد القائد نصر الله حاضر بيننا.

 

التاريخ يخبرنا أن البناء لحركات المقاومة يكون قوياً، لا يهتز لفقدان قائد، أو استشهاده، والتجارب كثيرة لحزب الله، فهو خسر القائد عماد مغنية، لكنه لم يضعف أو يستكين، وهو فقد أمينه العام السابق عباس الموسوي في جريمة اغتيال صهيونية، وبرز بعده السيد حسن نصر الله كالطود الشامخ، فكان كابوساً على الصهاينة إلى أن لقي ربه، والآن فإن حزب الله يعيد ترتيب صفوفه، بعد الاختراق الأمني الكبير، وسنجده صامداً ثابتاً يوجه الضربات الموجعة للعدو وبدرجة لا يتصورها الجميع.

على كل، ليس حزب الله، بهذه الدرجة من الضعف كما يدعي الإعلام العبري، وأبواقه من العملاء العرب، فالحزب لم يكن في نزهة على الإطلاق، وهو يدرك منذ توقف حرب تموز 2006 أن جولة من الحرب مع العدو ستأتي، ولذلك فإن التحضيرات والاستعدادات والتجهيزات كانت على قدم وساق، وبنية حزب الله قوية، وهيكله قوي، ويمتلك من القيادات المؤمنة والشجاعة، ما يؤهله لخوض هذه المعركة بكل ثبات واقتدار.

ستدرك أمريكا أنها ارتكبت خطأ جسيماً في قرار اغتيال الشهيد القائد حسن نصر الله، والتصعيد على لبنان، وسيتضح ذلك من حجم الألم والصراخ لدى الصهاينة أنفسهم، فحتى هذه اللحظة لم يستخدم الحزب سوى القدر اليسير من قدراته، وهجماته خلال مساندة غزة كانت تتركز على المقرات العسكرية لجيش العدو، لكن وبعد أن أوغل الصهاينة في سفك دماء الأبرياء من المدنيين، فإن حزب الله بلا شك سيفعل معادلة (المدني بالمستوطن) التي أطلقها الشهيد القائد السيد حسن نصر الله، وحينها سيعرف الصهاينة مدى الوجع والألم، وسيطرقون كل الأبواب لإيقاف الحرب، وسيكون حزب الله هو الوحيد القادر على إيقاف الحرب أو استمرارها.

الدور الأبرز هنا لدى الجميع هو العمل على تخييب أمل الأعداء في كسر الروح المعنوية كما أكد السيد القائد، فالإعلاميون لهم الدور الأبرز في هذا الجانب، من خلال تطمين الناس بأن المقاومة ولادة، وأن طريق المقاومة ليس مفروشاً بالورود، وإنما هو طريق فيه الكثير من المخاطر والتحديات، والشهادة في سبيل الله هي أسمى ما يتمناه المجاهد سواء كان فرداً أو قائداً أو في أي منصب كان.