لماذا تتبنى السعودية عقيدة بوش “من ليس معنا فهو ضدنا”؟
عبد الباري عطوان
تستضيف الرياض اليوم السبت اجتماعا طارئا لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي لبحث حرق السفارة السعودية في طهران، ثم بعد ذلك يتوجه الوزراء جميعا الى القاهرة للمشاركة في اجتماع طارىء آخر لنظرائهم العرب بدعوة من السعودية لبحث الموضوع نفسه، واستصدار إدانة قوية ضد إيران، وموقف تضامني مع السعودية في مواجهة هذا العدوان.
الإعلام السعودي المدعوم خليجيا، خرج علينا اليوم على لسان احد كتابه المعروفين بقربهم من النظام، ويعكس في الغالب سياسياته وتوجهاته، بنظرية جديدة، أو بالأحرى عقيدة جديدة، تقول وفي تزامن مع انعقاد المؤتمرين في الرياض والقاهرة، “ان من ليس معنا فهو ضدنا”، وهي رسالة واضحة إلى الحكومات العربية الأخرى.
بمعنى آخر، ان كل من لا يقف في خندق المملكة العربية السعودية وحروبها الحالية في اليمن وسورية، والمستقبلية ضد غيران، فهو ضدها، ولا موقف وسط على الإطلاق، وممنوع النقاش أو الجدل، فقد حسم الأمر، وما على الآخرين غير الطاعة والتنفيذ.
***
العقيدة السعودية الجديدة تأتي آخر حلقات الاستقطاب الطائفي في المنطقة، وتحشيد الدول العربية والإسلامية في خندقه، وفي مواجهة إيران والمذهب الشيعي على وجه الخصوص، فهذا هو العدو الأخطر الذي يحب التصدي له، وإعطاؤه الاولوية المطلقة عما عداه، وتوظيف كل الإمكانيات العسكرية والمادية والبشرية والإعلامية في هذا المضمار.
الرئيس الامريكي السابق جورج بوش هو صاحب الطبعة الاصلية لهذه “العقيدة”، وأطلقها بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001، وتمهيدا لشن حرب ضد العراق كانت معدة سلفا، واستطاع حشد تحالف من 34 دولة لشنها، وبتحريض من اللوبي الإسرائيلي ورموزه التي تغلغلت في الإدارة الأمريكية ومفاصلها الرئيسية، ولكن المملكة العربية السعودية، وإن استطاعت حشد العدد نفسه من الدول تحت لواء حلفها الإسلامي الجديد، ليست أمريكا، وليست قوة عظمى تملك حاملات طائرات وأكثر من ثلاثين ألف رأس نووي.
عقيدة الرئيس بوش هذه حولتها إلى أكثر دولة مكروهة في العالم، والحقت بها هزيمة كبرى على أيدي رجال المقاومة في العراق وأفغانستان، وخسائر بشرية تفوق السبعة آلاف قتيل وأربعين ألف جريح، وأكثر من خمسة تريليونات دولار خسائر مادية، علاوة على توفير الحاضنات للجماعات الإسلامية المتشددة، وعلى رأسها “الدولة الاسلامية” التي تتمدد حاليا في أقطار عربية وإسلامية عديدة.
لا نعرف ما إذا كان من تبنوا هذه العقيدة في المملكة العربية السعودية يعرفون هذه الحقائق مجتمعة أو منفردة ام لا، ونرى لزاما علينا أن نلفت انتباههم إليها، قبل فوات الاوان، خاصة ان المنطقة تزحف بسرعة إلى حرب طائفية كبرى قد تستمر لعقود، وتحرق الجميع دون استثناء.
اقتحام السفارة السعودية في طهران عمل مدان بأقصى العبارات والكلمات، ويتصف بالرعونة وقصر النظر، فليس من الشجاعة الاقدام عليه، لأن حماية هذه السفارات من مسؤولية الدولة المضيفة، ولكن هذا لا يعني إعلان حرب بسببه على ايران، خاصة اأها، وعلى أعلى المستويات، اعترفت بالخطأ واعتذرت عنه.
الإيرانيون اقتحموا السفارتين الأمريكية والبريطانية في السابق، واحتلوهما، ولكن لم تخض البلدين حربا ضد إيران للانتقام، وإن كانتا لجأتا إلى قطع العلاقات، وفرض عقوبات، وهذا رد مشروع ومتوقع، فالحروب، وقرار خوضها يجب أن تكون آخر الخيارات.
نطالب العقلاء العرب، او ما تبقى منهم، الذين ستشارك دولهم في اجتماعي وزراء الخارجية الخليجي والعربي، أن يمتلكوا الشجاعة والقدرة، ويناقشوا السعودية بكل صراحة عن مخططاتها وحروبها في المنطقة، والسياسات التي تتبعها، والاهداف التي تريد انجازها من خلفها، لأن هذه السياسات ستنعكس على المنطقة واستقرارها وامنها، ومستقبل اجيالها الحالية والقادمة، وثرواتها، نطالبهم أن يكونوا اعلى صوتا، وأن يتخلوا عن الصمت الذي قد يفسر على انه علامة رضا، وموافقة مبدئية على هذه السياسات، وما تفرزه من حروب آتية ومستقبلية.
من حقنا ان نعرف نوايا صاحب القرار السعودي الذي يخيرنا، كدول وشعوب، بين الوقوف معه او ضده، وما الذي يريد الوصول اليه، ومن حقنا ايضا ان نسأله عما إذا كان الخطر الاسرائيلي من ضمن أولوياته، واي مكانة يحتل على سلمها، في القمة أو الوسط، أو في القاع.
عندما سألت مجلة “الايكونوميست” البريطانية الامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي في الممكلة، وزعيم جناح الصقور، ومهندس الحرب ومنفذها في اليمن، بحكم منصبه كوزير دفاع، عندما سألته عن توقعه لموعد نهاية الحرب في اليمن، بعد عشرة اشهر من بدئها لم يستطع الاجابة، لانه بكل بساطة لا يملكها.
قرأت المقابلة مع الامير بن سلمان ثلاث مرات، وبلغتها الانكليزية الاصلية، في محاولة لفهم المنظور الاستراتيجي لمنظري وواضعي العقيدة السعودية الجديدة، ما ترمي اليه، وخرجت بإنطباع راسخ بأن المزاج السعودي الجديد هو مزاح حرب، ومهما كانت التكاليف، فالرجل تحدث عن بيع اهم الاصول الاستراتيجية للبلاد، وهي شركة “ارامكو” التي تتحكم بالثروة النفطية السعودية، تصديرا واحتياطا وتصنيفا، وملايين الامتار من الاراضي الحكومية في المنطقة الغربية، اي مدينتي جدة ومكة، ولسان حاله يقول اننا لسنا على وشك الافلاس مثلما تقولون، ومستعدون لتغطية نفقات الحروب اذا اضطررنا الى ذلك.
***
نقف مع المملكة العربية السعودية، مثلما نقف مع اي بلد عربي واسلامي آخر، في الحفاظ على وحدته الترابية، وامنه واستقراره، ونقاتل في خندقها في مواجهة اي عدوان يستهدفها، ولكننا في الوقت نفسه نعارض بقوة سياساتها التي تتدخل في شؤون دول اخرى، وتوظف قدراتها المالية والعسكرية الجبارة لزعزعة امنها واستقرارها، تحت شعارات ديمقراطية وحقوق انسان، هي آخر من يلتزم بها.
نعارض الحروب والتقسيمات الطائفية، ونقف وسنقف ضدها، سواء جاءت من قطبها السعودي او الايراني، وبالقدر نفسه، واذا ارادت القيادة السعودية خوض هذه الحروب فانه ليس في حقها فرضها علينا، او اي شعب عربي آخر، وعليها ان تتشاور مع الذين سيكونون ضحايا هذه الحروب.
نرى ان من واجبنا ان ندق الجرس، وان نقول الحقيقة، حتى لو عرضتنا للكثير من المخاطر، وفي ظل طغيان حملات التضليل الاعلامي على اوسع نطاق بهدف التحريض على الحرب الطائفية، والتحشيد لها، في اطار مخطط جهنمي يريد حرق المنطقة، وصب المزيد من الزيت على نيران الفوضى الدموية التي تسودها.
نحن مع أمن واستقرار وحقن دماء أبناء امتنا، ونقف في خندق الحوار والتفاهم لتسوية الخلافات مهما كبرت، لأننا نؤمن إيمانا قاطعا بأن عدو هذه الأمة هي إسرائيل، ومن يدعم احتلالها لأرضنا ومقدساتنا.
نقلاً عن صحيفة رأي اليوم