لا استقرار في “تل أبيب”، والبحر يضيق بالسفن الأمريكية

ضمن معركة مصيرية وغاية في التعقيد، تُخاض على أكثر من ميدان، وبدون أية ضوابط أو سقوف من قبل الأعداء الذين يرتكبون أبشع جرائم القتل والتدمير والتجويع، خصوصاً في غزة منذ عام وثلاثة أشهر- يفرض اليمن المعادلات في البر والبحر باستمرارِ عملياتِهِ المساندة للشعب الفلسطيني على مسارين: الأول: قصف العمق الصهيوني في يافا المحتلة، والمسار الآخر: ملاحقة السفن التجارية المرتبطة بكيان العدو في البحار، واستهداف السفن الحربية وحاملات الطائرات الأمريكية في البحار؛ وهو استهداف يُضْعف مهمتها القائمة على توفير الحماية لسلاسل الإمدادات التجارية للعدو.

“وحدة الساحات” مبدأ لا يمكن المساس به

بصاروخ (فلسطين 2) الفرط الصوتي استهدفت القوة الصاروخية هدفاً حيوياً في يافا المحتلة؛ انتصارا لمظلومية الشعب الفلسطيني ورداً على جرائم حرب الإبادة الجماعية التي حصدت أرواح أكثر من خمسين ألف فلسطيني غالبيتهم أطفال ونساء وسط تأكيد استمرار هذه العمليات حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن غزة.
وفي النتائج والرسائل المباشرة لعملية يافا التي تعد العاشرة من نوعها على المدينة المحتلة:
– لحظة وصول الصاروخ اليمني إلى الأجواء الفلسطينية دوت صفارات الإنذار بمناطقَ عدة في الوسط المحتل. وهذا بحد ذاته يُسقط نظرية الردع الصهيونية؛ كون الصاروخ اخترق الدفاعات الجوية بأنواعها المختلفة والمتطورة، وكذلك أجهزة الرصد المرتبطة بالأقمار الاصطناعية والرادارات الممتدة على مسافة 2000 كم ابتداءً من الحدود اليمنية، وصولاً إلى عمق الكيان.
– دوي صفارات الإنذار في أكثر من منطقة وسط فلسطين المحتلة دليل على أن الصاروخ اليمني حلّق في أجواء تلك المناطق قبل وصوله إلى الهدف. وهذا ينسف مزاعم جيش العدو باعتراض الصاروخ خارج الحدود الفلسطينية المحتلة.
– تدافع مئات الآلاف من المستوطنين الصهاينة وهروبهم إلى الملاجئ مع كل صاروخ ينطلق من اليمن؛ يُسقِط نظرية الأمن، والشعور بالاستقرار، ويؤكد المأزق الاستراتيجي لليهود الذي وضعتهم فيه حكومتهم المجرمة من أجل مصالحها السياسية والشخصية، والمسألة لديها لا ترتبط بحجم استمرار النيران وكثافتها بشكل شبه يومي.
– العملية اليمنية على ” تل أبيب” تبدد أوهام حكومة العدو وقادته المجرمين بالوصول إلى ما يُعرَف بـ “الانتصار المطلق” من خلال تفكيك الساحات وفصلها، وبالتالي الاستفراد بغزة ومقاومتها الباسلة، والضغط على المدنيين فيها عسكرياً ومعيشياً لتهجيرهم وترك أرضهم وقراهم ومنازلهم.
– ما يزيد العملية أهميةً وتأثيراً في بُعدِها العملياتي هو تنفيذُها في ذروة الترويج الإسرائيلي لاستعادة الردع وتأمين المغتصبات، لا سيما بعد التهدئة في الجبهة الشمالية. ليؤكد اليمن بذلك أنه مستمر في عمليات الاستنزاف، والبناء على ما حققه حزب الله من نتائجَ كبيرة. فالهدوء المؤقت في جبهة لا يعني الهدوء في باقي الجبهات.

مواجهة أخرى مع البحرية الأمريكية

بعد ساعات من عملية يافا النوعية كانت القوات البحرية اليمنية – بمساندة سلاح الجو المسير والقوة الصاروخية – على موعد لخوض اشتباك بحري جديد مع البحرية الأمريكية، إذ قامت باستهداف مدمرةٍ وثلاثِ سفنِ إمدادٍ تابعةٍ للجيش الأمريكي، وهي: سفينةُ Stena impeccable، وسفينة Maersk Saratoga، وسفينة Liberty Grace.
العملية – وفق القوات المسلحة – نُفِّذت في البحر العربي وخليج عدن بـ16 صاروخاً باليستياً ومجنحاً وطائرةً مسيرة. والعملية – بفضل الله كسابقاتها – حققت أهدافها بنجاح وسط تأكيدِ استمرار العمليات لتحقيق هدفها الإنساني المتمثل بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني، وإمداده بالغذاء والدواء.

اليمن يغير مفهوم المعركة البحرية

في البعد الاستراتيجي يحقق اليمن بعملياته البحرية إنجازاتٍ كبيرةً في الحصار البحري على كيان العدو الإسرائيلي، والتضييق على موانئه لمنع وصول الإمدادات التجارية إليها. وهو أمر له صلة بالقدرة على فرض التأثير المباشر في رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة؛ عملاً بالقاعدة المعروفة “حيثما تصل نيرانك يصل تأثيرك”.
الواقع – وهو ما يشهد به الخبراء العسكريون – أن اليمن استطاع – بفضل الله – أن يغيّر مفهوم المعركة البحرية بشكل كامل مع الإقرار الأمريكي بضعف حاملات طائراته، وانكشاف عيوبها، وعدم كفاءتها في مواجهة التهديدات، مع تسجيل ثلاث حالات هروب لهذه الحاملات من البحر الأحمر والعربي بدءاً بـ “إيزنهاور”، وليس انتهاء بـ “إبراهام لينكولن”، والحاملة “فورد” التي آثرت عدم الوصول إلى خطوط النار.
هذه النتائج تؤكد جدية العمليات المساندة اليمنية وجدوائيتها في تغيير موازين القوى. وكما قلنا سابقاً فإن الفشل الأمريكي في حماية الملاحة الصهيونية يفرض على الولايات المتحدة إعادة قراءة المشهد، والبحث عن بدائلَ لاستعادة الردع وتلافي القصور مستقبلاً في مواجهة دول أخرى تمتلك من القدرات ما لا يمتلكه اليمن كروسيا والصين.
اليمن – إذن – يواصل عمليات استنزاف العدو بمُسيّراتٍ وصواريخَ استراتيجية، ليفرض حالة الرعب وفقدان الأمن في الأوساط الصهيونية، وبالتوازي مع ذلك تضيف العمليات البحرية بعداً آخرَ للمعركة تبدو فيه الولايات المتحدة أقل تأثيراً وأكثر قلقاً من فقدان هيبتِها وحضورِها البحري في الإقليم والعالم بعيداً عن بيانات اعتراض القدرات اليمنية وإنكار النتائج كما في بيانات القيادة الامريكية الوسطى المتكررة.