روسيا في الميدان.. والضغط الغربي الفاشل

احمد شعيتو


يقول الرئيس الاميركي في أحدث تصريح له ان واشنطن “علمت بأن روسيا تعتزم تقديم الدعم العسكري للأسد”. وبغض النظر عما اذا كان يقصد ان واشنطن كانت على دراية بشكل العملية العسكرية ، أو ان شكلها القائم كان مفاجأة لواشنطن وحلفائها، فإن الوضع الحالي يسير تحت عنوانين: جدية وفعالية عسكرية روسية كبيرة يوازيها تقدم سوري عسكري، ومحاولات تشويش اعلامية وسياسية غربية وتلويح بأخطار عسكرية.

روسيا رأت انها لا يمكن ان تقف مكتوفة اليدين امام عدم جدية الغرب في محاربة الارهاب، رغم انها كنت تقدم نوعا آخر من الدعم العسكري لسوريا ضد الارهابيين، لكن اليوم ألقى “الدب الروسي” ببعض ثقله في الميدان.  عمل الائتلاف العسكري الذي قادته واشنطن لمدة سنة بزعم الحرب على الارهاب لم يؤد الى نتيجة تذكر. يقول السفير الروسي في الرياض “لو عدت إلى الخلف ورجعت إلى تسلسل الأحداث، ستجد أن عدد عناصر داعش في بداية انطلاقه كان في حدود ألف تقريباً، وهو بعد ضربات ائتلاف يتكون من 60 دولة، وهو ائتلاف أكبر من الائتلاف الذي تم تشكيله ضد هتلر، وبعد كل هذه الضربات الجوية لم يدمر شيئاً؟ ثم كيف أصبح داعش أكبر عدد وأكثر قدرة إلى حد أن عدد أتباعه وصل إلى 50 ألفاً، وفي رواية أخرى 100 ألف. نحن لا نستطيع أن نتصور كيف يمكن أن تضرب بهذه القوة العظيمة، وتكون النتيجة على هذا النحو”.

يشير خبراء روسيون ان تمنع الغرب عن التعاون جعل روسيا تبادر ولا تقف مكتوفة بانتظارهم وستنجح من دونهم، ويعتبرون ان الدخول الروسي في سوريا يشير إلى نهاية عصر الهيمنة الأميركية. الجدية الروسية العسكرية شكلت علامة مميزة بل حملت المفاجآت على نحو اطلاق صواريخ من بحر قزوين مثلا ، وهو ما علق عليه فلاديمير بوتين بالقول إن الاستخبارات الأميركية لا تعرف كل شيء ولا يتعين عليها ذلك!
كل ذلك لا شك يثير امتعاضا اميركيا غربيا فربما لم يتوقع هؤلاء هذه القوة والفعالية بل ان تقدم الجيش السوري استفاد من هذه القدرات الجوية والصاروخية المبنية على معلومات دقيقة. يثير الغرب الان بوجه روسيا عدة انتقادات مؤسسة على القول إن هذه العملية إن كانت لضرب الارهاب فهي مرحب بها ولكن ان كانت لدعم الاسد فستثير تعقيدات.
لكن الجيش السوري يقوم بحرب لمدة سنوات ضد الارهاب والحرب على الارهاب تتضمن حُكما دعم الجيش السوري ومواكبة عملياته، هذا هو الرد المنطقي الاول، والرد الآخر هو حول مدى جدية الغرب واميركا اصلاً في ضرب داعش.

التهرب الثلاثي

حصل تهرب على 3 مراحل من قبل واشنطن وحلفائها في الموضوع السوري وهو تهرب فاضح ولكن قابلته روسيا بلامبالاة وبأخْذ زمام المبادرة واستمرار في العمل:
اولاً- لقد تهرب الحلف الغربي من مسؤولياته التي اخذها على عاتقه في ضرب داعش لمدة عام فكان ان بادر الروسي الى العمل.
ثانياً-  تتهرب واشنطن من اعطاء معلومات حول من تسميهم معارضين معتدلين تتهم روسيا بضربهم وتكتفي فقط بالاتهامات، فقد تهرب المتحدث باسم الخارجية الاميركية جون كيربي من ذكر ولو عدد قليل من أدوات واشنطن التي تسميهم بـ “فصائل المعارضة المعتدلة”.
ثالثاً- التهرب من التنسيق العسكري والمعلوماتي مع روسيا ضد الارهاب، وفي هذا الاطار تقول وكالة “سبوتنيك” الروسية : تحصل روسيا على معلومات عن المجموعات الإرهابية في سوريا من مصادر عديدة. ولهذا السبب لا يمكن أن يتأثر أداء القوات الجوية الروسية التي توجه الضربات لمواقع ومنشآت الإرهابيين في الأراضي السورية برفض الولايات المتحدة الأميركية تزويد روسيا بما تملكه من معلومات بهذا الشأن.
وقد أعلن  المتحدث باسم الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ترفض تزويد روسيا بالمعلومات الاستخبارية حول سوريا لأنها لا توافق روسيا على الأهداف المطلوب تحقيقها في سوريا.

تقول في هذا الاطار الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا للمنار “تنسيق ضربات القوات الجوية الروسية مع عمل الجيش السوري الشرعي على الأرض، هو الفارق الأساسي بين جهود روسيا و تصرفات التحالف… روسيا طالبت تلك الدول بمعلومات لديها عن أماكن تموضع داعش، للإستفادة منها، وهم دوما يتهموننا أننا نضرب أهدافا خطأ! فنسأل من يتهمنا، ما هي الأهداف التي يجب أن نضربها؟! أو أعطونا قائمة الأهداف التي يجب أن لا نضربها! كما يفترض العديد من أعضاء التحالف، أنه بضرباتنا يمكن أن نلحق الضرر “بالمعارضة الديموقراطية”.

تشويش وضغط

هذا التهرب الثلاثي ، بالاضافة الى انه يكشف الزيف الغربي مجدداً، هو مقصود لإبقاء الروس تحت الضغط -رغم ابداء مرونة معينة في بعض المواقف تجاه موضوع الرئيس السوري – ثم التلويح بأخطار عسكرية قد تنجم عن ذلك لا سيما في ظل وجود الحلف الغربي في الاجواء السورية رغم  ان موسكو تسعى الى تفعيل التنسيق حول سلامة الطيران. وقد جاء هذا التحذير فعلا على لسان مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني عندما قالت الاثنين “أن خطوات الأطراف المعنية يجب أن تكون موجهة ضد “داعش” وغيره من التنظيمات التي تعتبرها الأمم المتحدة إرهابية، لدى الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي جميعا موقف مشترك يتمثل في القرارات المتخذة في إطار الأمم المتحدة. ويجب أن تكون الخطوات منسقة، وإلا فإن ذلك سيكون خطرا ليس فقط من وجهة النظر السياسية، بل ووجهة النظر العسكرية أيضا”.
بدوره قال اوباما في محاول ضغط ان الاستراتيجية الروسية لن تعمل، والنصر على تنظيم داعش لا يمكن تحقيقه طالما بقي بشار الأسد في منصبه.

وأعلن بدوره الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن روسيا قادرة على لعب دور بنّاء في مكافحة خطر “داعش” الإرهابي إلى جانب المجتمع الدولي، معتبرا في الوقت نفسه أن دعم الأسد يؤدي إلى إطالة الحرب.

يبدو ان ليس في يد واشنطن حالياً سوى الحضور السياسي والاعلامي عبر التصريحات وتشويش وتضليل الاعلام الغربي والعربي الحليف، الذي يروج ان روسيا تضرب المدنيين او “معارضين معتدلين”،  فما باليد حيلة امام الخطوة الروسية لأن اميركا لعبت عدة اوراق في سوريا والمنطقة ثبت فشلها، ومن المعروف ان اميركا تلعب دوما استراتيجية الخطط البديلة والجاهزة ولكنها امام “طحشة” الدب الروسي ربما تكتفي هذه المرة بالاعلام والتصريحات. “فاللعبة في سوريا تغيرت” وهذا باعتراف مسؤولة اوروبية، وهذا لم يكن لولا صمود سوريا وحلفائها ومن ثم الدخول الروسي في الميدان، وهو ميدان يشهد تقدما في عدة جبهات للجيش السوري مع الدعم الجوي الروسي كما يؤكد ناطق عسكري سوري لوكالة تاس.

ستبقى محاولات التشويش والضغط على روسيا على الاقل لمحاولة جذب الروسي قليلا الى الوراء وتخفيف الهجمة ولكن هل نشهد رغم ذلك في مرحلة مقبلة اعلاناً اميركياً عن تعاون مع روسيا ومرونة اكبر حول الحلول نتيجة الاقرار بالامر الواقع او محاولة الاستفادة من هذا الواقع على الطريقة الاميركية؟ ربما يمكن هنا الرجوع الى ما كشفته وكالة بلومبيرغ الاميركية التي قالت منذ ايام “بعد أسبوع من التدخل العسكري الروسي في سوريا، يحاول بعض كبار مستشاري البيت الأبيض وأعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي إقناع الرئيس باراك أوباما بتقليص حجم المشاركة الأميركية في سوريا، والتركيز على تخفيف حدة العنف هناك، والتخلي مؤقتا عن إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد”.
ونقلت عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية: “يعتقد البيت الأبيض على نحو ما أن بإمكاننا نزع فتيل الصراع مع بقاء الأسد في السلطة”.

 بالتزامن مع استمرار العملية الجوية الروسية في سوريا، تكثف موسكو جهودها على المسار السياسي، بما في ذلك الاتصالات بواشنطن والرياض من جهة، والتعاون مع دي ميستورا حول خطته من جهة أخرى كما تقول وكالة “روسيا اليوم”، اما على الارض فقد قال الكرملين ان مدة العملية العسكرية الروسية في سوريا مرتبطة بتقدم الجيش السوري. وتيرة العمليات الروسية وفعاليتها في ضرب قواعد ومراكز الارهابيين تشهد على ان الايام المقبلة ستحمل المزيد من النتائج الفعالة على الارض وتحقيق اهداف روسيا المرسومة بدقة كدقة صواريخ “إكس – 29 أل” المستخدمة في سوريا!
#فج_عطان: