حينما خسر العالم إنسانيته.. كانت مأساة غزة

اختزلت المعاناة في لمحة، أظهرت صورة لطفلة صغيرة تنتشل كتبها من تحت حطام منزلها المدمر. الصورة تعكس في اللحظة إصرارًا لا يُصدق، وهي تعتنق رمزًا لصمود أبناء غزة.

الصورة التقطت من بين ما تركه العدوان الإسرائيلي الغاشم والذي يستمر في صيغته الجديدة المسماة “خطة الجنرالات”، وتحديدا، على شمال قطاع غزة، ظهرت صورة مؤثرة، نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي.

هذه الطفلة، كغيرها من الأطفال، تُظهر للعالم أن الحياة مستمرة رغم الألم، وأن حقهم في التعليم لا يمكن أن يُمحى حتى في أحلك الظروف. الصورة ترسم واقعًا مؤلمًا ليكون ملامسًا لوجدان الإنسانية، بعيدًا عن الإحصائيات والأخبار العابرة. هي دعوة لكل من يحمل في قلبه ذرة من الضمير للتفكير في معاناة هؤلاء الأطفال الذين يتحدون الدمار للتمسك بأحلامهم.

هي دعوة لصوت الحق أن يعلو، ويناشد الجميع أن يتحدوا للاطلاع على ما يعانيه أهل غزة. كل كلمة تُكتب تحمل ألمًا لوصف جرح، وكل صوت يكشف عن جريمة، يصرخ صوت الإنسانية في كل زاوية: “لنقف مع غزة!”، لأن كل لحظة تمر تنذر بخطر حقيقي يواجه البراءة.

بينما تتدفق صور الأطفال الذين فقدوا حياتهم من جراء القصف، نرى أن هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقام، بل هم أرواح سُلبت حق الحياة لأسباب خارج إرادتهم، لا ذنب لهم سوى أنهم وُلِدوا في أرض تقاوم الاحتلال، أكثر من خمسة آلاف طفل أزهقت أرواحهم، بينما بقيت صرخاتهم مسموعة ولكن بلا آذان صاغية.

إن الألم الذي يعتري القلب لدى رؤية هؤلاء الضحايا الأبرياء يجب أن يدفعنا للعمل بصورة جماعية، كأفرادٍ ومجتمعات، لنكون صوتًا لمن لا صوت لهم. علينا أن نكون سندًا للأطفال المحاصرين، ولندعو العالم لتحمل مسؤوليته، فالمعركة من أجل غزة هي معركة من أجل الإنسانية جمعاء.

الوقوف مع أطفال غزة، ليس فقط بالكلمات، بل بالأفعال. لنجعل من كل صورة وكل جرح بندقية مقاومة ضد الظلم، ولنوصل صوتنا إلى كل أنحاء العالم.

أطفال غزة يستحقون أن تكون لديهم فرصة للحياة، التعليم، والأمل. لنأخذ هذا التحدي على عاتقنا، ولنعمل معًا لكي تبقى شعلة الأمل متقدة في قلوبهم.

خيانة وخسارة إنسانية

في ظل الأزمات الإنسانية المتلاحقة، نرى كيف تتباين ردود الأفعال من زعماء الغرب تجاه المعاناة، بينما تتجه أصواتهم لدعم أطفال أوكرانيا، يبدو أن دماء أطفال فلسطين تخفق بالعدم، وهذا التباين يكشف عن خيانة وخسارة إنسانية، إذ تعتبر دماء الأطفال في غزة “دماء بزيت” بينما تُعتبر دماء الأطفال في غيرها “دماء بسمنة”. إن أكبر دليل على التخاذل هو استمرار تجاهل القرارات الدولية التي تدعو لوقف إطلاق النار، ليصبح هذا التناقض مثيرًا للاشمئزاز.

لنتساءل في هذه اللحظة: هل يمكن أن نأمل في تغيير حقيقي ينشد عدالة في عالم تغمره معايير الكيل بمكيالين تُهدر فيها حقوق الإنسانية الأساسية؟

واليوم.. كم هي الأقلام والمواقف الإنسانية وبلغات مختلفة من حول العالم تصرخ عاليا: يتعين علينا رفع أصواتنا والمطالبة بتغيير حقيقي. نتكاتف لنكون صوتًا للأطفال الذين يُعاقبون على وجودهم، ولنبدأ بخطوات ملموسة تعكس إنسانيتنا، فالصمت لن يُعيد لهم الحياة، بل إنه خيانة مشتركة.

رغيف خبز مغمس بالدماء

قصص هؤلاء الأطفال ليست مجرد روايات تُروى، بل مشاهد حية تنبض بالألم، إذ إن مشهد “رغيف خبز مغمس بالدماء” لم يعد عنوان رواية مُخترعة، بل هو واقع يُكتب بأسطر من الحزن والمعاناة يوميًا في غزة. تخيلوا تلك الأم التي افترشت الأرض لتطلب الأمان في صحنها بدلاً من خشونة الحرب، بينما تراقب أطفالها، القلوب الجائعة تتأمل الخبز الذي يُقدّم لهم من قلة كانت تتوسل أن يملأ رغيف صغير بطونهم الخاوية التي عانت من سياسات التجويع القاسية.

كلما ظنوا أنهم في ملاذ آمن، يأتي صاروخ أو قذيفة ليحطم آمالهم وأحلامهم، ويقتلع أرواحهم التي لم تتجاوز البراءة. وعلى الأرض، بقيت أرغفة مغمسة بالماء، رمزًا للوجع الذي لا ينتهي. هؤلاء الأطفال، الذين يكافحون من أجل حياة كريمة، يشاهدون أحلامهم محطمة تحت وطأة الظلم، وتلك الأرغفة، التي كانت تضحك بوجوههم، أصبحت الآن مشهدًا يروي حكاية إنسانية مأساوية ملطخة بالدماء.

الأطفال في فلسطين قصص نداء إنساني يطالب الضمير العالمي بالوقوف مع الإنسانية، وهم ذكرى للإنسانية كي تتحرك مشاعرها وتثبت على الواقع معنىً أو دلالةً لما تنادي إليه من سلام وعدالة. أمريكا داعية السلام تؤكد لإسرائيل أن كل طفل من أطفالها في أي مكان يستحق حياة خالية من الخوف والصراعات، وحياة مليئة بالفرص والأمل.. والسؤال لأمريكا: والطفل الفلسطيني، ماذا يستحق؟

نداء إلى أقلام العالم

لنتحد جميعًا من أجل العدالة. دعونا نرفع أصواتنا لنكون صوت الأطفال الذين حُرموا من أبسط حقوقهم. إذا لم نكن معهم الآن، فمتى سنتحرك؟ لنتحلى بالأمل الذي يحتاجه هؤلاء الأطفال، ولنبنِ غدًا أفضل لهم وللإنسانية جمعاء.

إننا كأفراد في مجتمع مسلم يتجاوز عدد أفراده مليارًا، يجب أن يكون نداؤنا من أجل السلام والمحبة كالرصاصة المؤلمة المصوبة إلى قلب الغاصب، لنكن الصاروخ الذي يندفع لتحقيق العدالة، ولنتحرك بإرادة قوية لنبذ هذه الاعتداءات التي لا تُحتمل.

لسنا في عالم يحق فيه أن ننادي بالسلام في ظل أجواء تعاني من حروب العدو المستمرة، فالإحصائيات المفجعة التي يُعلن عنها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تروي مأساة إنسانية تفوق الخيال، ففي اليوم الـ 385 من العدوان الإسرائيلي، تكشف الأرقام عن جوانب مأساوية لا تحتمل: 3738 مجزرة أودت بحياة 42885 شهيدًا، بينهم 17210 أطفال. هذه الوقائع تعكس مآسي لا تُحتمل، حيث يُعَد هؤلاء فقط من تمكنوا من الوصول إلى المستشفيات وتسجيل أسمائهم لدى وزارة الصحة، أما آلاف آخرون، فلا يزال مصيرهم مجهولاً، ويضاف إلى هذه المأساة 10000 مفقود لا يزالون تحت غياهب الإخفاء.

لنتحرك معًا من أجل مستقبل أفضل، ولنجعل من صوتنا سلاحًا لتحقيق العدالة والسلام، ففي زوايا غزة، يتردد صدى المجازر الفظيعة، فقد قضى العدو على 1206 عائلات كاملة، اختفوا من السجلات المدنية كأنهم لم يكونوا، بينما مرت جراح أخرى في نفوس السكان، حيث فقد 1047 شهيدًا من الطواقم الطبية و85 من الدفاع المدني و177 شهيدًا من الصحافيين الذين كرسوا أنفسهم لنقل الحقيقة.

يتفاقم الوضع الإنساني يوماً بعد يوم، حتى أن 37 شهيدًا فقدوا حياتهم جراء المجاعة الناتجة عن الحصار، في حين يعاني 3500 طفل من سوء التغذية، قلوبهم معلقة على حافة الانهيار.

يهدف العدو إلى تدمير الروح الحية لأهل غزة، عبر استهداف 197 مركز إيواء، وتدمير 34 مستشفى، و205 مقار حكومية، و126 مدرسة وجامعة، ما يجسد وحشية لا تُطاق.

ومع هذا كله، يتصاعد الخطر في شمال غزة، فقد أفادت وزارة الصحة بمأساة جديدة حيث استشهد طفلان داخل قسم العناية المركزة في مستشفى كمال عدوان، نتيجة القصف الذي استهدف محطات الأوكسجين. كما أن سيارات الإسعاف أصبحت في كثير من الأحيان غير صالحة للعمل، مما أعاق عمليات الإغاثة.

في مجزرة جباليا الأخيرة، لم يكن هناك وقت للهدوء، حيث فقدت 150 روح حياتها بين شهيد وجريح، في حدث تفجير 11 منزلاً، وهذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات بل تمثل أرواحاً يُفترض أن تحتفل بالحياة، ومآسٍ تُحكي في كل زاوية من المدينة.

شاهد عيان

تستمر هند خضري، التي كرست حياتها كمساعدة في برنامج الأغذية العالمي، في نقل معاناة الناس في غزة: “من لم يمت من القصف سيموت من الجوع”، تعكس هذه العبارة عمق المعاناة اليومية. تحكي هند عن محاولتها للبحث عن بعض السكينة على شاطئ غزة، حيث استجابت لأشد احتياجات الروح في عالم من الخراب. في جولة على الرمال، غمرت عينيها الدموع وهي تستمع لصوت الأمواج، متمنيةً أن يتوقف العنف.

لكن، مع بدء الطائرات الحربية الإسرائيلية بشن غارات جديدة، تعود إليها مشاعر الخوف، حيث لا يتوقف القصف المدفعي والانفجارات. لقد أصدر الاحتلال الإسرائيلي خارطة تقسّم غزة إلى مربعات، لكل منها رقم، لكن بالنسبة لأهل غزة، لم يعد هناك مكان آمن، ولا يعرف أحد إلى أين يتجه.

في خضم كل هذه المعاناة، نعيش في لحظة تاريخية تتطلب تحركًا حقيقيًا، دعونا نخطو خطوة نحو التغيير معًا، مكونين قوة واحدة تدافع عن إنسانيتنا.

تقول هند: “في ظل الدخان المتصاعد والأنقاض التي تحاصر كل زاوية في غزة، يصرخ أهل المدينة بأعلى أصواتهم إلى العالم: “الصهيونية تسعى لطردنا من منازلنا إلى مناطق في جنوب غزة، ويدعون أن هناك مكانًا آمنًا! لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد مكان آمن في غزة”. “فرّ الناس من موتٍ حتمي إلى آخر، فمن لم يُقتل تحت نيران الغارات الجوية، قد يموت جوعًا، في مشهد يشبه الكابوس”.

وتواصل: صورة إنسانية مؤلمة تتكشف في لحظات العزلة، حيث أُذيع صوت استغاثة يأتي من قلب المعاناة: “نتقاسم زجاجة عصير صغيرة عثر عليها أحد الأصدقاء، وعندما قررنا اقتسامها وقع انفجار هائل بالقرب منا، ركضنا نحو بعضنا البعض، ونفوسنا مملوءة بالخوف من انفجار آخر، كانت تلك آخر زجاجة عصير لدينا، لم أستطع حتى أخذ رشفة”.

مسترسلة: تضع الجوع العالمي في مشهد من الشغف والألم، حيث تتذكر فساد الذكريات: “كنت جائعة بشدة اليوم، لم أجد سوى الزعتر وبعض الخبز الذي كانت أم صديقي تخبزه على الحطب، إن الناس مدفوعون إلى دفع مبالغ فلكية مقابل الطحين، حيث وصل سعر كيس من الطحين – الذي أصبح نادر الوجود – إلى 400 شيكل (107 دولارات أمريكية)”.

خلف الأبواب المغلقة، أصبح الاختيار في الطعام شيئاً من الماضي. “لم يعد لدينا الحرية للاختيار، نحن نأكل فقط ما هو متاح، أي شخص يتحرك يعرض حياته للموت، لذا يلجأ الجيران لفتح أبوابهم، لكنهم يواجهون خطر قناصة الجنود الإسرائيليين”.

معاناتهم تتزايد: “نتضور جوعًا ومحاصرين وسط انفجارات متواصلة وغارات جوية، نتعرض لكل شيء في كل مكان، ولا يمكننا حتى الحصول على المياه، حتى القذرة منها، ولا الكهرباء، ولا الغذاء، ولا أي شيء”.

“تناولنا وجبتنا الأولى بالأمس في الساعة الـ 8 مساءً، كنت جائعة طوال اليوم، لكنني لم أخبر أحدًا؛ لأننا كلنا جائعون، أما صباح اليوم، فكان الإفطار عبارة عن بعض الخبز، ولكن لا يسعني إلا أن أفكر: متى سينتهي هذا؟ متى سنعود إلى بيوتنا؟” تنهار الأسئلة في عقلها، رغم استمرار القصف الذي يحيط بها.

“خرجت من المنزل كما لو كنت ذاهبة إلى العمل، وسأعود كما كنت، لكنني لم أستطع العودة أبدًا. كل شيء يكسر القلب، كلما تذكرت الأطفال الذين يقبعون تحت الأنقاض، والرضع وجثث الموتى، هذا هو الواقع اليومي في غزة، حيث تسود مشاعر الفقد والألم، وتحت كل تلك الأنقاض تتحطم أحلام وأرواح.”

قصص مؤلمة تُروى بحرفية

 

تعكس الطفلة الغزاوية، وهي تحمل كتبها من بين الأنقاض، معاناةً إنسانيةً عميقة، تطالب العالم أن يفتح أعينه ويتضامن مع الحقيقة المعيشية للأهالي في غزة، حيث تلاشت حدود الأمل، ولكن تبقى الإرادة حاضرة في كل نفس يعبر عن حاجته للحياة.

قصص مؤلمة، تجعلنا نقف أمام مشهد مؤثر يعكس فولاذية الصمود الفلسطيني، ويؤكد حتمية النصر الذي لا مفر منه، فبينما تتعالى أصوات الانفجارات وتتساقط قذائف الغدر، يتجلى أبطال غزة الحقيقيون، الذين لا يزالون يقاومون تحت أزيز الرصاص، حاملين في قلوبهم إيمانًا لا يتزعزع بأن فجر العدالة آتٍ لا محالة.

لقد شهد التاريخ أن كل احتلالٍ آيلٌ إلى الزوال، وأن الظلم لا بد أن يزول، آلاف الشهداء هم أوسمة شرف على صدور الأحياء، وقصص المقاومة تُكتب بأنفاسهم التي لن تُنسى، فهي تروي حكايات من الشجاعة والتحدي، فقد سقطت حصون العدو في أوقات سابقة، وكما ينقل عن رواد الحركات الوطنية: “إن تكوين الوعي الجمعي على مر الزمن هو سحق للغزاة.”

تشير كل المؤشرات إلى أن ما يجري اليوم من تخبط إسرائيلي هو بداية النهاية لاحتلالٍ عمّر طويلاً تبخرت فيه الأحلام، وبدأت أركانه بالتصدع. فصمود الشعب الفلسطيني، الذي يعيش ظروفًا قاسية، ينجب أجيالًا تمتزج فيها إرادة الحياة مع قناعة النصر، فكل زجاجة عصير اقتسمت، وكل رغيف خبز تم تقسيمه يتحول فتاته إلى شعلات تألق في سماء تحرير الأرض.

المقاومة اليوم هم المنارة في هذا النفق المظلم، تربي الأجيال بأن الحرية ليست مجرد كلمة، بل هي حقٌ لا يمكن التفريط فيه، وكلما حاول العدو توسيع دائرة الألم، تعود القوة المُحتَجَزة في قلوب الفلسطينيين إلى الظهور بشكل أكثر وضوحًا، فقصصهم تروي بفخر كيف أن الألم يمكن أن يتحول إلى أمل، وكيف أن الدماء تُعطي المحن مساحة جديدة للنصر.

إن البندقية المرفوعة أمام الطغاة، والروح التي لا تنكسر، هما أقوى من أي سلاح، فالمعركة ليست مجرد جغرافيا، بل هي إرادة الشعب التي لا تنتهي، وفي النهاية، سيتذكر العالم أن هناك أمة ناضلت، وأن يوم القيامة لم يكن مجرد تهديد، بل موعدٌ حقيقيٌ لاستعادة الحق والحقيقة.

فصمود فلسطين لم يكن عبثيًا، بل هو جوهر وجودهم وقوتهم، ومع توالي الأيام، ستتجلى الحقيقة: أن النصر حتمي، وأن أشجار الزيتون ستعود لتخضر من جديد في أرض الأجداد، لتروي قصص عزةٍ وأملٍ لا ينضب.