ثورة الـ21 من سبتمبر تنقل اليمن من بلد هامشي إلى لاعب دولي
تعد ثورة 21 سبتمبر 2014م، محطة مفصلية في تاريخ اليمن الحديث، كونها شرارة التغيير والتحول بالواقع اليمني من الضعف والهوان إلى لاعب إقليمي ودولي. ثورةٌ الـ 21 سبتمبر أنقذت وحررت اليمن من الوصاية، التي كانت معلنة ومكشوفة. استغل الأمريكيون آنذاك بعض الأشخاص والأحزاب فجعلوا منهم أداة لإحكام سيطرتهم، عبر فرضهم سياساتٍ عدائية، تتجه بالبلد نحو الانهيار التام في كل المجالات. لكن الشعب اليمني تصدى للمؤامرات الداخلية والخارجية وتصدَّى لها باستبسالٍ وصبرٍ ووعيٍ وثبات، مستعينًا بالله تعالى، ومتوكلًا عليه، وقدَّم التضحيات الكبرى، فلم يستسلم، ولم يخنع للأعداء حتى توجت جهوده بالانتصار الكبير في 21 سبتمبر من العام 2024م.
اتجه أحرار البلد، من الجيش اليمني واللجان الشعبية التي تشكلت مع الثورة، إلى بناء القدرات العسكرية، وتصنيع قوَّة الردع، وبتوفيق الله امتلك بلدنا التقنية الصاروخية، وصنع القوة الصاروخية في تطوُّرٍ تصاعدي، فأنواع الصواريخ بالمديات المتنوعة: من قصيرة المدى، ومتوسطة المدى، وبعيدة المدى، وباليستية، ومجنَّحة، وبدقةٍ تامة، وكذلك قسم الطيران المسيَّر، الذي صنع أنواع الطائرات المسيَّرة بمديات ومسافات متنوعة، والقوات البحرية الباسلة التي صنعت أنواعًا مختلفة من سلاح البحرية، وكذلك في القوات الجوية، وسلاح الدفاع الجو”.
هوية يمنية
ثورةٌ الـ21سبتمبرالمجيدة ثوة وطنية يمنية شعبية، يمنيةَ الهوى والهوية، ووطنيةَ الوجه واليد، فالثورة لم تولد في أقبيةِ المخابرات، ولا في دهاليزِ السفاراتِ، وغرفِ الظلامِ والمؤامرات، وإنما جاءت من صميمِ الشعب اليمني ، وتدفقت من رَحِمِ معاناتهِ وأشواقهِ وتطلعاتهِ ، وهذا – لاشك – سِرُّ صمودِها ونموها وما هي عليه اليومَ من صلابةٍ وثباتٍ رغمَ كلِ الأهوالِ والتحدياتِ التي داهمتْها من لحظةِ ميلادِها إلى هذا اليوم.
إن ثورة الـ21 جاءت بعدَ عقودٍ طويلةٍ من الوصايةِ المقنِّعَة، وإهدارِ النظامِ البائدِ لكلِ فرصِ النهوضِ بواجِباتِهِ ومسؤولياتِهِ وبعد أن تحوَّلتْ التبعيةِ إلى ثقافةٍ وممارسة، والوصايةِ إلى غولٍ مدمرٍ ومعولِ هدمٍ حقيقيٍ أجهضَ حُلُمَ الإنسانَ اليمني في رؤيةِ دولةِ يمنيةِ قويةِ تمتلك قرارها، وتصونَ سيادتِها واستقلالِها ، وتحمي أمنَ المواطن، وتبني اقتصادَ البلد، وبعدَ أن حوَّلوا بلاد السعيدةِ إلى واحدةٍ من أفقرِ بلدانَ العالمِ وأكثرها فسادا، وبعد أن صنعوا منها بيئةً حاضنةً للظلمِ والفسادِ والاستبدادِ ومرتعاً خصباً للإرهابِ والممارساتِ الظلاميةِ الغريبةِ والدخيلةِ على مُجتمعنا اليمني.
كانت مجاميعُ “القاعدةِ” تجوسُ خلالِ الديارِ وتنشرُ فكرَ الأحزمةِ الناسفةِ برعايةِ أطرافٍ نافذةٍ في السلطةِ حتى أن أعلامها كانت ترفرف في أرحب وجبل راس وفي البيضاء ومناطق كثيرةٍ ومتعددة، وكانت أعلامُها قبل مجيء الثورةِ بأيامٍ ترفرفُ في أجزاءٍ من منطقةِ سعوان بقلبِ العاصمة، تماماً كما هي الآن تُرفرِفُ في مدينةِ مأرب وفي عمومِ أراضينا المحتلة.
حرية واستقلال
بعد ثورة 2011م، زاد التدخل الخارجي لاحتواء الثورة والسيطرة على البلد، واستغلاله الأحداث والصراعات وتوظيفها فيما يعزز السيطرة الخارجية على بلدنا، فتحرك الأمريكيون آنذاك وفقاً لسياساتهم المعروفة، التي تعتمد الإمساك بخيوط اللعبة، والاستثمار في الأزمات، والتوظيف للصراعات، والاستغلال للخلافات، بما يخدم مصالحهم وأهدافهم، وبما يحقق أجنداتهم المعروفة، وقاموا آنذاك بإنجاز صيغة سياسية لاحتواء الوضع في البلد، وأسموها بالمبادرة الخليجية، وهي في حقيقة الأمر إنتاج أمريكي، قُدِّم بعنوان خليجي، وكانت بإشرافٍ مباشرٍ من السفير الأمريكي في البلد آنذاك، وركَّزوا من خلال ذلك على ربط الوضع في البلد والشأن الداخلي اليمني بهم، وحدثت الكارثة الكبرى في إدخال اليمن تحت البند السابع، والوصاية الأمريكية بشكلٍ رسميٍ ومعلن.
وقُدِّمت مسألة الوصاية على بلدنا تحت عنوان (وصاية الدول العشر)، وعلى رأسها الأمريكي، وبناءً على ذلك أصبح السفير الأمريكي في صنعاء هو المعني الأول- بحكم تلك الوصاية- المعني الأول بشؤون اليمن، وهو رئيس الرئيس، وصاحب القرار، وأصبح يعقد اجتماعاته مع أعوانه من سفراء الدول العشر، لمناقشة أمور البلد، وقضايا الشعب وشؤونه، وأصبح يلتقي هو بالمسؤولين في مختلف مستوياتهم، ومعنى ذلك: السيطرة والاحتلال بدون حرب، والسيطرة بشكل مباشر وتلقائي، وبطريقة هادئة، وبدون حتى معاناة ولا كلفة، وتم التحرك بناءً على ذلك وفق سياسات تدميرية. إلا أن الثورة أجهضت تلك التحركات وقضت على تلك المؤامرات.
وفي هذ الجانب يؤكد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الفريق جلال الرويشان في تصريح لموقع أنصار الله، أهمية ثورة الـ 21 سبتمبر في تعزيز الحرية والاستقلال الوطني والخروج من عباية الوصاية والارتهان الخارجي.
وأكد الرويشان أن الثورة مثّلت استجابة طبيعية لتطلعات الشعب اليمني في التحرر من الهيمنة الخارجية وبناء دولة قوية قادرة على حماية سيادتها ومصالحها. لافتا إلى أن التحول الذي شهدته البلاد بعد الثورة عزز من مكانة اليمن على الساحة الدولية كدولة مستقلة وذات سيادة.
تحول جذري
من أبرز الإنجازات المهمة للثورة الشعبية هي الحفاظ على توجه الشعب ومواقفه المبدئية تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية لأن الأمريكي كان يسعى إلى إحداث تغيير كبير في المنطقة، بالاتجاه بمختلف البلدان العربية نحو الولاء لإسرائيل بشكلٍ واضح، وإعادة الارتباط بإسرائيل بشكلٍ علنيٍ ومكشوف، تحت عنوان التطبيع، وتصفية القضية الفلسطينية بالكامل، ومعاداة بقية أحرار الأمة، الذين يصمدون ويقفون ضد “إسرائيل”، وضد المؤامرات الأمريكية. وكان اليمن مستهدف في موقفه فيما يخص هذه المسألة، فالأمريكي كان يريد أن يسيطر على البلد بأدواته العميلة، التي تتجه إلى التطبيع بدون أي تحرج، وتتخذ المواقف التي يتبناها الأمريكي بشكلٍ تام، ومن دون أي تردد.
ولــــذلك فمن منجزات الثورة الشعبية أنها حافظت على المواقف الأصيل لشعبنا ضد التطبيع، والوقوف ضد العدو الإسرائيلي والتعامل معه كعدوٍ للإسلام والمسلمين، وللأمة بكلها، والتأكيد على الاستمرار في التضامن والتعاون مع شعبنا الفلسطيني المظلوم، والاستمرار في التوجه بالروح الأخوية مع أحرار الأمة، والوقوف معهم في إطار الموقف الجامع والشامل ضد أعداء الأمة، وتجاه ما يستهدفها.
وفي هذا الصدد تحدث مدير مكتب رئاسة الجمهورية الأستاذ أحمد حامد لموقع أنصار الله عن التحول الجذري الذي شهدته اليمن بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر، وخصوصًا في الخروج من الوصاية الدولية والاتجاه للانتصار لقضايا الأمة. مؤكدا أن اليمن تمكنت من اتخاذ قراراتها بحرية دون أي إملاءات خارجية، مما عزز من سيادة البلاد واستقلاليتها.
وأضاف حامد أن الثورة ساهمت في تعزيز دور اليمن في دعم القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية بمواقف ثابتة وراسخة قولاً وعملاً حتى دحر الاحتلال الصهيوني.
وأشار إلى أن ما حققته ثورة الـ 21 سبتمبر من انتصارات هي بفضل من الله تعالى ثم بحنكة القيادة الثورية ممثلة بالسيد القائد المجاهد عبدالملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله” وإيمانه الراسخ والصادق تجاه دينه ووطنه والقضية الفلسطينية.
أخيراً
من منطلق الروح الجهادية الثورية، ستستمر الثورة في تحقيق أهدافها وفاءً لدماء الشهداء، ووفاءً للصمود والصبر والثبات الشعبي، فإن الشعب اليمني سيواصل العمل ضمن الأهداف الأساسية للثورة، والأولويات الكبرى لها.
الثورة لم تنتهي، وإنما خطت خطوات إلى الأمام وأمامها الكثير من الخطوات، فالثورة اليوم مستمرة في وجه العدوان الأمريكي السعودي وفي وجه العدوان الأمريكي البريطاني الإسرائيلي، فشعبنا اليمني يأبى إلا أن يكون حراً مستقلاً، لا وصاية لبلد عليه، لا لأمريكي ولا لإسْرَائيْلي ولا لسعودي ولا لأي كائن في هذه الدنيا، فشعبنا خاضع لله، وهو شعب مسلم، له الحق أن يكون حرا يقرر بنفسه، وليس أن يكون محكوما لشخص بيد الأمير السعودي أَوْ موظف الاستخبارات السعودي أَوْ الأمريكي.