تقرير :الأمم المتحدة (الأمريكية)..مقرها نيويورك وقرارها في واشنطن
إبراهيم السراجي
يستمر دور الأمم المتحدة المخيب لآمال الشعوب بداية بفلسطين مرورا بليبيا وسوريا والعراق واليمن، وفيما تبرز الولايات المتحدة في العصر الحديث كطرف رئيسي ومباشر في اشعال فتيل الحروب في المنطقة والعالم وبشكل غير مباشر غير أن الأمم المتحدة لم تصدر بيانا أو قراراً يوقف العبث الأمريكي بالمنطقة بينما نجد قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها تسير وفق هوى واشنطن.
أصدر مجلس الأمن التابع للمنظمة الأممية قراره رقم 2216 الخاص باليمن وجعلت منه ذريعة لدول العدوان للإمعان في تدمير اليمن، وعندما قبلت القوى الوطنية بتنفيذ القرار، وجدت الأمم المتحدة نفسها عاجزة عن فرض آلية لتنفيذ القرار لأنها انصاعت في القرار لإرادة الولايات المتحدة دون دراسة لقابلية القرار للتطبيق ومع انطلاق المفاوضات السياسية الخاصة باليمن في سويسرا عجزت الأمم المتحدة عن إلزام دول العدوان بقرارها الذي قضى بوقف إطلاق النار ولم يصدر منها بياناً يدين خرق الاتفاق.
كان السيد عبدالملك الحوثي في خطابه الأخير بمناسبة المولد النبوي الشريف يتحدث عن دراية من موقعه كقائد للثورة وعلى ارتباط بالوفد الذي ذهب للمفاوضات في سويسرا ولذلك عندما قال أن السفير الأمريكي هو من أوقف المفاوضات باتصال اجراه مع المبعوث الأممي في حينه لتكون تلك الخطوة نقطة للكشف عن صورة أعمق لتحكم الولايات المتحدة بالمنظمة الأممية ورغبة الأمريكيين في استمرار الحرب التي تحقق لها مصالح استراتيجية باليمن من جهة ومصالح مادية باستنزاف مزيد من الأموال السعودية.
قال السيد في خطابه “ادعو إلى مواصلة التحرك الجاد والمسؤول في التصدي للعداة والمعتدين، وتحرير كل شبر من البلد، بالتوكل على الله تعالى، وبالعمل والجهاد، حتى يتحقق لشعبنا العزيز نيل الحرية والاستقلال ولا نضيع أنفسنا بالرهان على أي أحد، الأمم المتحدة تؤدي نشاطها وفقاً للسياسات الأمريكي”
وتابع قائلا:”السفير الأمريكي يتصل لمبعوث الأمم المتحدة ويقول كفى مفاوضات، فيؤجل المبعوث المفاوضات”
بين انهاء المفاوضات وخطاب السيد كانت الفترة كافية للتواصل مع الوفد الذي شارك بالمفاوضات لمعرفة ما حدث بشكل أعمق وهو دفع بالسيد لمكاشفة الشعب اليمني بحقيقة تبعية الأمم المتحدة لواشنطن وهو ما أكده أعضاء الوفد لدى عودتهم من مسقط.
- الهيمنة الأمريكية على المنظمة الأممية جدلية تاريخية
الحديث عن الهيمنة الأمريكية على قرارات الأمم المتحدة ومواقفها ليس وليد العدوان على اليمن أو الأحداث الأخيرة في ليبيا وسوريا مؤخرا، بل هي جدلية قائمة ظهرت مع تأسيس المنظمة في اربعينات القرن الماضي.
وقع العراق تحت الحصار الأممي لأكثر من 23 عاماً عقاباً للنظام العراقي جراء غزه للكويت ولكن في عام 2003 وحين خرجت أمريكا وحلفاءها عن الاجماع الدولي وغزت العراق وأبادت أكثر من مليون عراقي بذريعة ثبت للعالم زيفها والمتعلقة بأسلحة الدمار الشامل فماذا فعلت الأمم المتحدة تجاه الغزو الأمريكي للعراق؟ هذا السؤال ودون الإجابة عليه يكشف أيضا صورة أخرى للتبعية الأممية لواشنطن.
تقول احدى الدراسات العربية أن الأمم المتحدة “شهدت منذ تأسيسها في عام 1945م العديد من النزاعات في العالم ولم تتمكن من حلها بسبب هيمنة القوى الاستعمارية التي حالت دون الحل بالطرق السلمية وفقا لما نص عليه ميثاقها الذي تضمن مجموعة من المبادئ الأساسية التي من شأنها لو تم تطبيقها بشكل عادل ضمان الأمن والسلم الدوليين خاصة وان هذه المبادئ تقوم على المساواة بين الدول الأعضاء وكذلك على مبدأ سيادة كل دولة على أراضيها واحترام استقلالها ومن أهم هذه المبادئ”
وينطبق الكلام السابق مع ما يجري باليمن فبينما تشرع المنظمة الأممية أو تتواطأ مع العدوان وتدعي مراراً وتكراراً أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة في اليمن وتصر على الحل السياسي غير أن ذلك يظل مجرد حبر على ورق ينطبق عليه مرة أخرى ما جاء في الدراسة العربية التي تؤكد أن الدول الاستعمارية (الولايات المتحدة) تحول دون الحل السلمي للأزمة في اليمن.
كما تقول تلك الدراسة أن “هيئة الأمم المتحدة وبسبب سياسة استغلال مؤسساتها لخدمة قوى الهيمنة جعل منها غير قادرة على تأدية دورها وتنفيذ مهامها المحددة في ميثاقها حيث تحولت هذه المؤسسات هياكل تنفذ ما يملى عليها، مما جعلها تفتقر إلى الاستقلالية في اتخاذ القرارات العادلة محل الأزمات بل تفرض عليها هذه القرارات وفقا لحل لمصالح الدول المتنفذة وليس وفقا لقناعات الدول الأعضاء ونظرتها الموضوعية بعيدا عن تأثيرات سياسات تلك الدول “المتنفذة” وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الأوروبية ذات التاريخ الاستعماري، بمعنى أن قرارات هيئة الأمم بمعظمها تصب في خدمة هذه القوى وبما يتنافى مع المصالح الدولية ومع السلم والأمن الدوليين، وقد أوقع هذا السلوك الأمم المتحدة في ضعف شديد جعلها غير قادرة على تطبيق ميثاقها والقواعد والأسس التي قامت عليها وبخاصة دورها المتمثل في الإسهام في إيجاد حلول عادلة للنزاعات الدولية”
وخلافا لما تقتنع به الأمم المتحدة بكون الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة اليمنية وما يصدر عنها من بيانات خاصة بجرائم العدوان آخرها البيان الذي أكد عقب مفاوضات سويسرا أن معظم الضحايا الذين سقطوا في اليمن لقوا حتفهم بضربات جوية للتحالف السعودي فماذا قدمت الأمم المتحدة من خطوات او اتخذت من قرارات وفق ميثاقها يلزم الأطراف المعنية بتنفيذ تلك القناعات والتوقف عن تلك الجرائم؟؟
وبدلا من أن تتخذ الدول الكبرى من جرائم العدوان السعودي منطلقا لإجبار تحالف العدوان على وقف الحرب نجدها تستغل تلك الجرائم لاكتساب المزيد من الأموال السعودية والخليجية مقابل الصمت وإعطاء التحالف السعودي مزيدا من الوقت بغية تحقيق إنجازات ميدانية ولو على حساب الأطفال والنساء.
تدرك الدول الأوربية عبر أجهزتها ومنظماتها أن المبعوث الأممي يتخذ سياسة مضللة بشأن الجرائم السعودية في اليمن غير أنها اليوم تتظاهر بأنها متفاجئة من ذلك وتدعو لاستبدال هذا المبعوث لكنها لا تتخذ موقفاً بناء على تلك المفاجئة وكأن المبعوث الأممي هو المشكلة الأساسية وليس مشكلة ناشئة عن العدوان ذاته حيث واليمن بدون العدوان ليست في حاجة لمبعوث أممي من الأساس.
في تقرير نشرته جريدة الأخبار اللبنانية أنه “بعد الكثير من الاتهامات التي طالت عمل المبعوث الدولي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ طوال الفترة الماضية، وما أثير عن شخصيته الضعيفة وعدم قدرته على مواجهة السعودية ورضوخه لشروطها، يبدو أن مهمة ولد الشيخ صارت في نهاياتها، مع المعلومات المتداولة أن البحث بدأ داخل أروقة الأمم المتحدة لإيجاد بديل منه في ظل التشكيك في أدائه”
ويضيف التقرير الذي أعده مراسل الجريدة في واشنطن أن “المعلومات تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يبدو مهتماً بالمنصب، وأن سفيرة بروكسل لدى اليمن، بيتينا موشيت، تتحرك لدى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي من أجل قبول ترشيحها”.
وحول ذلك يرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي ليس جادا في سعيه لإحلال السلام في اليمن بل يسعى لاستبدال المبعوث الأممي المنحاز للسعودية والأمريكيين بمبعوث من الاتحاد الأوروبي يمارس ابتزازا للسعودية ودول الخليج لكسب مزيد من الأموال كما فعلت أمريكا.
أخيراً كان المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر واضحاً وصريحا عندما قال أن العدوان جاء وخلط الأوراق ومنع التوصل إلى حل سياسي كان وشيكا فهل كان اليمن بحاجة لكل هذا الدمار والقتل ليعود إلى وراء خطوات كثيرة في اتجاه الحل السياسي الذي كان على وشك التوافق عليه في صنعاء؟ ولو كانت الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا تدرك الضرر الذي احدثه العدوان في العملية السياسية وفي الجانب الإنساني وتتخذ موقفا رافضا له لما كنا سمعنا الولايات المتحدة أول من يعلن مساندة العدوان بل وتستضيف واشنطن إعلان السفير السعودي في حينه عن شن عدوانهم على اليمن.
وصحيح ان مقر الأمم المتحدة يقع في مدينة نيويورك الأمريكية إلا أن قراراتها تخرج من أروقة البيت الأبيض بواشنطن..
صدى المسيرة