إحراق مستشفى كمال عدوان… شاهد على وحشية الصهاينة وسقوط المجتمع الدولي

 

تحت سماء ملبدة بسحب الدخان الأسود، وفي قلب المعاناة، يتعالى أنين الآلام القادمة من قطاع غزة؛ المكان الذي بات يُجسد أعمق ألوان المأساة الإنسانية. منذ أن جرّت الحرب أذيالها على هذا القطاع المنكوب، لم يكن هناك مكان -بل حتى المستشفيات لتي من المفترض أن تكون ملاذاً للشفاء- قد نجا من استهداف وحشية العدو الصهيوني الذي يسعى لتصوير نفسه كباحث عن “الأمن”، بينما هو يغتال البراءة في أبشع صورها.

شهدت الأيام الأخيرة زيادة في وحشية العدو الصهيوني واستهدافه الممنهج للمدنيين، خصوصا عقب إعلان العدو عن ما أسماه بخطة “إخلاء شمال غزة من السكان” وتحويله إلى منطقة عسكرية. ففي ظل التصعيد المستمر، أقدمت الآلة الحربية الصهيونية على اقتحام مستشفى كمال عدوان في شمال غزة، الذي تعرض لقصف متواصل منذ بداية العدوان الإسرائيلي. هذه الجرائم تعكس انهياراً أخلاقياً متجذراً في تاريخ الكيان الصهيوني، الذي لطالما ارتكب الفظائع بلا تردد.

تتزايد الاعتداءات الصهيونية بشكل يومي، مخلّفة وراءها مشهداً تراجيديا مملوءاً بالأحزان والدموع. مستشفى كمال عدوان الذي لم يزل إلى الأمس يُعد شبه ملاذ -رغم أنه غير آمن- للمصابين والجرحى، تحول إلى ساحة للاعتداءات الصهيونية. في أروقته يُعتدى على الأطباء والممرضين، بل ويُستهدف المرضى في أسوأ انحدار أخلاقي ممكن، حيث يُتعامل مع الحياة وكأنها لعبة عشوائية بين أيدي الصهاينة.

لم يكن بوسع طاقم المستشفى إلا أن يشهدوا كيف اقتُحمت قاعاتهم، حيث الضحايا ينتظرون العلاج، وباتت أضواء غرف العمليات تُستبدل بها نيران البنادق، بينما يُهزّ الجرحى في عذابات لا تنتهي. إن الاعتداء على الطواقم الطبية، بضربهم واعتقالهم على أيدي عصابات العدو، ومن ثم إحراق المستشفى بمن فيه، هو برهان كافٍ على مدى وحشية الكيان الصهيوني، وأن الرهان على المنظمات الإنسانية والحقوقية وكذلك الأمم المتحدة مجرد هراء.

 

Video Player

ومع كل صرخات الأطفال والأمهات التي ترتفع كنداء للحياة، يُظهر المجتمع الدولي برمته تواطؤه وصمته المذل. هذا الصمت هو خذلانٌ واضح من أولئك الذين يُفترض أن يكونوا حماة للحقوق، إنه تجسيد للخيبة وفقدان الأمل، إذ يُترك الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة آلة القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري.

الأسوأ من ذلك، تُظهر المواقف المرتبكة من قبل بعض الدول الإسلامية تجاه ما يحدث في غزة، جوهر الخذلان الذي يُجرد ضمير الأمة من روابط الأخوة ونصرة المظلوم الذَين يحثنا عليهما الدين الإسلامي. أين قادة الأمة الإسلامية من أطفال غزة الذين يجابهون أقسى معاناة عرفتها البشرية منذ الخليقة الأولى؛ يموتون بمزدوج الجوع والبرد، يموتون وحناجرهم تصرخ: لماذا يبقى التكافل الإنساني مسجلاً فقط في الكتب والشعارات ولا يُترجم إلى أفعال؟

بينما تُفجع أرواح هؤلاء، يُصبح الصوت العائد من المآذن صدى فارغاً، غير قادر على شحذ همم المنابر السياسية!.

 

إبادة جماعية

 

إن ما يجري في غزة ليس شكلا من أشكال الحرب، بل أصناف من فظائع الجرائم ضد الإنسانية تتطلب من الجميع وقفة حقيقة. عندما تُفجر الأماكن التي يُفترض أن تكون آمنة، وتقصف مخيمات النازحين، كيف يمكن للعالم أن يغمض عينيه عن هكذا حقائق مروعة، خصوصا وهي تعرض على الشاشات على مدار الساعة؟.

في غمرة هذه الأحداث، يبقى السؤال مُلحاً: إلى متى ستبقى الشعوب الإسلامية صامتةً بينما تُرتكب الجرائم في وضح النهار؟ وإلى متى سيظل الفلسطينيون وحدهم في معركة مستمرة للحفاظ على إنسانيتهم ضد عدو هو الأكثر والأبشع وحشية في التاريخ؟.

تتجاوز القضية الفلسطينية حدود الجغرافيا لتصبح قضية إنسانية بامتياز، وأصواتٌ في كل أنحاء العالم يجب أن ترتفع، مُطالبةً بحماية الإنسانية وإيقاف جرائم الإرهاب الصهيونية البشعة. أين العالم الإسلامي الذي ينبغي أن يكون الأعلى صوتا في كل العواصم، يؤكد أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة بأسرها، وأن سقوط غزة يُعدّ سقوطاً لكل ما يشمله مفهوم الوجود الإسلامي؟.

 

تواطؤ المجتمع الدولي

إن الوضع في فلسطين، ولا سيما في غزة، يشهد تدهوراً متزايدا، فمع تصاعد العدوان الصهيوني، يبرز الدعم العملي والسياسي الذي يتلقاه الكيان من بعض الدول الكبرى، ويظهر بشكل جلي تواطؤاً غير مقبول مع الجرائم التي تُرتكب يومياً. ولعل أبرز تجليات هذا التواطؤ هو ما تقوم به الولايات المتحدة حالياً من ممارسة ضغوط قوية لسحب تقرير المجاعة الذي أعدته منظمة الإغاثة الدولية، والذي يسلط الضوء على الحالة المأساوية التي تسببها إجراءات العدو الصهيوني في حظر دخول المساعدات ومستلزمات الإغاثة إلى سكان غزة. هذا الموقف يُعد دليلاً أفظع على مشاركة أمريكا للكيان الصهيوني في ارتكاب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.

إن الصمت الدولي والتراخي في تقديم الدعم للضحايا وتوفير الحماية للمدنيين يحول العالم بأسره إلى شريك فعلي في المجازر وجرائم الحرب التي يرتكبها الصهاينة. لقد آن الأوان لتجاوز التصريحات الشكلية التي تستخدمها بعض الحكومات للتعبير عن قلقها وكفى، وكأن من يُجزرون في غزة، ويُعذبون في معتقلات العدو الصهيوني، ومن يحظر عليهم الحصول على أبسط مقومات الحياة من الغذاء والدواء، ليسوا بشراً. إن الأطفال الذين يُقتلون  بالجوع ونتيجة البرد يواجهون قسوة عذاب مزدوجة لا يمكن تحملها. في هذا السياق، فإن العالم بأسره مُلزم بتقديم دعم فعلي وتحرك عاجل لردع هذا الكيان وإيقاف جرائمه بكل الوسائل المتاحة. ولكن أنّى لهذا العالم أن يرفع صوته وقد فتح للصهيونية القصور وأمدها بالعتاد والأسلحة الفتاكة!

 

Video Player

وفي المقابل، يتكرر سرد العدو الإسرائيلي لأصناف الأكاذيب وبشكل مستمر، خصوصا عندما يستخدم مصطلح “المناطق الآمنة” ليُصبح غطاءً لوصف المناطق التي تُستهدف بقصف عشوائي. إن الاعتداء المتعمد على هؤلاء المدنيين ووصمهم بالإرهاب ليس سوى تشويه للحقائق وتحريفٍ للقيم الإنسانية التي يدعي العالم إعلان حمايتها.

من منطلق الحقيقة التي تؤكد أن الصهيونية هي الإرهاب، وأن الإرهاب هو الصهيونية، يتجلى التساؤل المنطقي ليطرح نفسه بقوة: ماذا لو كانت الأحداث معكوسة، وأن المقاومة الفلسطينية هي من تمارس أبسط أشكال الرد على الاعتداءات ضد الصهاينة؟ كيف ستأتي ردة فعل المجتمع الدولي؟.

 

الجهاد هو الحل

إن الجهاد في سبيل الله ضد العدو الصهيوني ضرورة بحسب الدين والعرف والقيم والتعاليم الإلهية والقوانين الوضعية. والمقاومة المشروعة لأبناء فلسطين تعكس إرادة الحياة ومقاومة الظلم، ويجب أن تجد أصداءً في قلوب الشعوب الحرة حول العالم. إن السقوط الأخلاقي الذي يعكسه هجوم قوات العدو على مستشفى كمال عدوان هو تجسيد صارخ لانعدام الإنسانية، فكيف يمكن السكوت على عدو يقتحم مرفقاً طبياً ويعتدي على المرضى والجرحى الذين يعانون بسبب الوضع الكارثي الذي أوجده هو؟ المستشفى يعاني من نقص حاد في الأدوية والموارد الطبية الأساسية، حيث تُحرم الطواقم الطبية من أبسط أدوات العمل لمساعدة المصابين، في ظل انعدام الأمن والحماية.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تعرضت الطواقم الطبية للاعتداء الجسدي، إذ تم احتجاز حوالي 400 فرد من الكوادر الطبية، في محاولة جديدة من قوات العدو الإسرائيلي لتكريس الرعب والفوضى. إن هذا الفعل ليس سوى تعبير عن الفشل الذريع الذي يعيشه العدو الصهيوني أمام صمود المقاومة الفلسطينية.

إن استهداف المدنيين -بما في ذلك الأطفال والنساء- والتهجير القسري، هو علامة ليس على الانحدار الأخلاقي الذي يتميز به الكيان الصهيوني في مواجهاته فحسب، وإنما وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي لم يقف في وجه هذا الكيان وقفة جادة يكون من نتائجها استعادة الحق كاملا لأصحابه الفلسطينيين من غاصبيه، ووقف كل أشكال العدوان الصهيوني.