أمريكا تستغبي السعودية، واليوم التالي للحرب سيكون فلسطينيًا

أمريكا تقرر استغباء السعودية وتكلفها بتحمل مهام غزة، و”إسرائيل” تدعي الضغط على السعودية وتهدد، والرياض تنتفخ أوداجها ظنا منها أنها قد أصبحت بمستوى من الحنكة والأهمية التي تجعلها أهلا لما تعتبره ثقة من أمريكا لهذه المهمة، والحقيقة أن الجميع يتشاركون صناعة الوهم والسير عكس التيار، والنتائج سيُنبئ عنها الواقع لا ما تقوله هذه الهوامش.

“اليوم التالي للحرب سيكون فلسطينيًا خالصًا بإجماع كل الأطراف الفلسطينية”، وفق عضو المكتب السياسي لحركة حماس حسام بدران، وبالتالي فالقفز الإسرائيلي الأمريكي على الواقع بهذه الطريقة السمجة، ومحاولة إقناع الآخرين برؤية مخالفة لما هو حاصل لا ينم إلا عن غباء سياسي، فحتى إذا ما كان القصد من السير قدما على هذا الوهم، هو فرض واقع جديد ودفع الآخرين على التعاطي والتعايش معه كأمر مفروغ منه، فالأكيد أن التمادي فيه لن يقود إلا لتصعيد لغة النار ما سيجعل من النهاية سريعة، إذ لا يمكن قبول ما تم رفضه قبل عام وسالت لأجله الكثير من الدماء الزكية.

غزة لن يحكمها إلا أبنائها وتعيين بريمر سعودي بموجهات أمريكية معروفة، مسألة تثير السخرية، ليس فقط لأنها تتجاوز حقيقة وجود أبناء الأرض وأبناء المقاومة وبالقوة التي يمكن أن تفرض معادلاتها، وإنما لجهة الظن بأن الوصي السعودي المُرشح، غير قادر على فعل شيء وهو الذي لا يزال يعتمد على حماية الأمريكي له.

ما بعد الطوفان ليس كما قبله

 

وحتى إذا كان المخطط الأمريكي الجديد يأتي في سياق المحاولة للعودة إلى النقطة التي سبقت طوفان الأقصى، وهي النقطة التي كاد يُنجز عندها مشروع التطبيع السعودي الصهيوني، فإن ما أكدت عليه المقاومة غير مرة من استحالة حدوث التطبيع مسألة لا ينبغي تجاهلها، والتغيير الذي أحدثه الطوفان أمر مسلّم به، ومعه لن يمكن فرض أي صيغة ما لم يكن أبناء الأرض هُم أساسها.

لا يبدو حديث أمريكا و”إسرائيل” عن تسليم ملف غزة أكثر من مساعي استجدائية للخروج من النفق الذي لا ينتهي، والتحول إلى معطيات ما بعد الحرب التي طالت واستنزفت الكيان الإسرائيلي والأمريكي.

ببساطة، المدعو بلينكن الذي يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكي في إدارة بايدن، لا يستطيع حتى إبراز حيثياته وهو يتحدث عن أن الفرصة أصبحت سانحة للاحتلال للتوصل إلى اتفاق في غزة وتعزيز التطبيع مع السعودية، وكأن هدف القضاء على المقاومة قد تحقق، وأن العمليات البطولية التي تقوم بها حماس وباقي الفصائل ستتلاشى مع هذا التحول السريع إلى ما بعد الحرب الذي يريده بلينكن، والثابت الذي لا يمكن أن يفقهه حديثو التأريخ كأمريكا و”إسرائيل” والسعودية، أن المقاومة والتي تقدّم قادتها ومناضليها شهداء، هي مقاومة لا تقهر.

مع كل ذلك فإن السعودية كما تشير الوقائع ليس لها من الأمر شيء إلا إصدار شيكات على بياض؛ لتعمير ما دمرته عصابة بني صهيون في غزة، وكذللك الإذعان والعمل بخطوات وضعها وزير خارجية أمريكا، والتي منها الترتيب لعقد قمة عربية إسلامية موسعة لمناقشة مرحلة ما بعد الحرب، ليس للخروج بقرارات بطبيعة الحال وإنما للتوقيع غلى بيان القمة الجاهز بقصد إعطاء الشرعية للمخطط الأمريكي الذي لا يتوافر على أي نسبة نجاح، لتجاهله استحقاقات الحل الذي يعني انهاء الاحتلال ورحيل المحتل.

تابع بلا امتيازات

 

لا شك بان استسلام السعودية لهذه المغامرة سيقود المنطقة إلى حالة غليان لن تهدأ إلا بثورة عارمة في المنطقة تضع النقاط على الحروف وتعيد أي قوى تنتقل إلى غزة إلى أوكارها، ومن المعيب على أي عربي أن يقبل لعب دور العسكري الصهيوني في احتلال القطاع، وهو الذي عجز طوال عام من الإبادة الجماعية التي مارسها كيان العدو الصهيوني ضد أهالي غزة، أن يكون له دور مؤثر أو صوت مسموع لإيقاف هذه الأعمال الصهيونية الوحشية في فلسطين المحتلة.

وبالنظر إلى معطيات التوجه الأمريكي الإسرائيلي، يتضح أن طريقة التعاطي مع السعودية تُكرس حقيقة وضعيتها كتابع، فهي فقط تُنفذ ما يُوجه لها من توجيهات، وهي فقط تدفع، كما أن هذه التوجيهات لا تعطيها أي امتيازات تحفظ لها ماء الوجه على الأقل أمام الشارع العربي والإسلامي مع لعب دور البيدق في يد أمريكا و”إسرائيل”، بل وأدهى من ذلك، أن كيان الاحتلال لم يخجل في الكشف صراحة عن أنه مارس الضغط على الرياض وهددها، إذ نقلت صحيفة “معاريف” العبرية عن مسؤولين في حكومة نتنياهو وضباط بالاستخبارات تلميحهم إلى خيارات ضغط على السعودية للقبول بالعرض الصهيوني بما في ذلك إعاقة مشروع “مدينة نيوم” أو استغلال الخلافات الداخلية للنظام السعودي، أو السير بخطوات التطبيع، ومثل هذا التعامل الفوقي تتقبله السعودية بصورة مخجلة.

القوة عربية والقرار إسرائيلي

 

ويبدو من المؤسف أن المهانة لا تقف عند هذا المستوى بل إنها تذهب إلى أكثر من ذلك، فحكومة الاحتلال تسعى لتوفير مباركة عربية إسلامية على احتلالها مرة أخرى لغزة، وذلك عبر نشر قوات عربية إسلامية من حلفاء الاحتلال العرب وهذا هو كل ما عليهم فعله، أما إدارة القطاع فستكون للاحتلال الإسرائيلي.

وليس غريبا أن يكون الصهيوني بهذا المكر، وأن يتعامل بهذا التحقير مع اتباعه في المنطقة، وأما تعشيم الرياض بأنها من ستقود المنطقة، فإن واقع الحال لا يؤهل هذه الدولة حتى للاستقلال بقرارها داخل جغرافيتها، فما بالك بالحديث عن قيادة المنطقة وصياغة حاضر ومستقبل وعلاقات دولها، هذا ناهيك عن أن الإمارات وقطر لا يزال لهما رأي آخر في مسألة القيادة، وهما اللذين دفعا ولازالا يدفعان للحصول على أي امتيازات تقترب بهما من هذا التوصيف.

بالتالي فتعقّد المشهد المتخيل لما بعد الحرب في غزة يقذف بأحلام الرياض بعيدا ولا يمنحها حتى الأمل بإمكانية أن تكون ندًا ونظيرا واقعيًا مؤهلا لإيران التي تبقى مركز القلق الأبرز للأمريكي والإسرائيلي، ولا يخفف من وجع هذه الحقيقة تلويح الكيان باستهداف إيران، والذي يراد منه طمأنة الرياض بتوفير بيئة العمل التي تمكنها من العمل بأريحية وبلا منافس.

آمال سرابية وخائبة

 

ظن العدو أنه بعمليات الاغتيال التي ينفذها بخق قادة من حماس وحزب الله، قد هيأ مناخات التحول إلى وضع تفاصيل واقع ما بعد الحرب، بحيث يعيد احتلال قطاع غزة ولكن تحت مسمى عربي تمثله السعودية، ومثل هذه التوهّمات الإسرائيلية تُبعده عن التقييم الواقعي لما يجري، ما يجعل قراراته ساذجة وانتحارية، فالاغتيالات أبدا لم يكن لها تأثير على المسار الجهادي للمقاومة ومحور المقاومة.

في هذا السياق أكد السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي في كلمته الخميس الماضي أن “العدو يؤمل ويسعى أنه باستهداف القادة سيحقق أهدافه في السيطرة على الأمة وإنهاء المعركة وهي آمال سرابية وخائبة”، وقال السيد القائد: العدو اصطدم بجبهة حزب الله الصلبة بعد أن كان يتوقع أنه باستهدافه للقادة قد تهيأت له الفرصة للسيطرة على لبنان.

فيما أكد السفير الإيراني في دمشق حسين أكبري أن المقاومة طوال ماضيها وتاريخها أثبتت أنها تزداد قوة مع استشهاد قادتها وكل هذه البطولات والعمليات والاستهدافات، هي مؤشر على قوة المقاومة واقتدارها لأنها مبنية على أسس عقائدية وهي لا تعتبر أن استشهاد قادتها بمثابة الانكسار أو الفشل وهذا المؤشر هو الذي يميز محور المقاومة عن غيره.

ومثل هذا التأكيد أورده قادة المقاومة في فلسطين وكل دول محور المقاومة، ليؤكد أن ما بنى عليه الأمريكي فرضياته غير وارد، ففرصة تمكين الكيان من إعادة احتلال غزة والتعامل على أساس القضاء على المقاومة، مسألة غير واقعية وقفز على الحقائق، خصوصا وأن عمليات جبهات المقاومة مستمرة في مسارها التصاعدي، ورقم ضحايا العدو في تصاعد، فضلا عن أن انعدام الأمن داخل الكيان في تصاعد، وقد أعيت صفارات الإنذار من الاحتماء بالملاجئ مرات متلاحقة في اليوم.

ومثل هذه المناخات لا يستقيم معها أي حديث عن طموحات للكيان بإعادة احتلال غزة.

أما السعودية فإنها ستصحو بعد تنفيذها ما يُراد منها تنفيذه وقد أنجزت مشروع التطبيع وهو الهدف الاستراتيجي ومربط الفرس لأمريكا و”إسرائيل”، وستكون هي فقط من يعطي ويدفع ولا يتلقى شيئا سوى التهديد والوعيد برفع الحماية عنها.